والجعل هاهنا بمعنى القضاء ، أي : قاض لك بالتقدم على الناس بالنبوة ليقتدوا بك ، : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [سورة البقرة آية ١٢٤] ، يجوز أن يكون سؤالا : أن يجعل من ذريته أنبياء ، ويجوز أن يكون استخبارا ، فقال : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [سورة البقرة آية ١٢٤] ، أي : ينال عهدي المؤمنين من ذريتك دون الظالمين لأنفسهم.
والعهد هاهنا : النبوة والوحي ، وقيل : الرحمة ، وقيل : الوعد ، والأول الوجه.
ومثله : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) [سورة الفرقان آية ٧٤] ، أي : الطف بنا حتى نصير من التقوى والصلاح بحيث يقتدي بنا المتقون. ويجوز أن يكون المعنى : حتى نكون يوم القيامة من أئمة المتقين نتقدمهم في المضي إلى الجنة ويتبعوننا.
وقال : إماما ، وأراد أئمة ، سماهم بالمصدر.
أم يؤم إماما وإمامة ، كما تقول : جل جلالا وجلالة ، ومثله : الكتاب والكتابة ، وقيل : معناه : اجعلنا للمتقين بالائتمام بهم ، أي : اجعلنا أتباعا لهم.
ونحوه قوله تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً) [سورة هود آية ١٧ ، الأحقاف ١٢] ، يعني : التوراة يقتدى بها.
الثاني : الكتاب ، قال الله تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ) [سورة الإسراء آية ٧٢] ، أي : بكتابهم الذي فيه أعمالهم. وقيل : بداعيهم الذي دعاهم إلى الهدى أو الضلالة. وقيل : بدينهم.
الثالث : قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [سورة يس آية ١٢] ، يعني : اللوح المحفوظ ، والشاهد قوله : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) [سورة يس آية ١٢] ، أي : نكتب ما سلف من أعمالهم ، وما أثروه في الدنيا من سنن الخير أو الشر ، ثم قال : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) أي : وكتبنا كل شيء في اللوح المحفوظ ؛ لتعتبر الملائكة بما يكون من ذلك لأوقاته ، لا لمخافة النسيان ؛ لأن النسيان لا يجوز على الله.