ومعنى الآية على هذا : إنكم لم تغلوا في الأنبياء غلو النصارى في عيسى ، إذ قالوا : إنه إله. ولم تقصروا فيهم تقصير اليهود ، إذ قالوا : إنه كذاب.
ومن الأول قولهم : فلان وسيط في حسبه ، أي : هو الكامل المتناهي.
وفي الآية دليل على أن الأمة لا تجتمع على الباطل.
والوسط بالإسكان : الموضع.
والوسط بالتحريك : ما بين طرفي كل شيء ، وأصل الكلمة العدل ، فالمكان لا يمتد إلى المسافة إلى أطرافه.
والرجل الأوسط في قومه : الذي تكلله الشرف من نواحيه.
العاشر : قوله تعالى : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) [سورة الرعد آية ٣٠]. يعني : الكفار من أمة محمد صلّى الله عليه ، وقد تقدم ذكر الأمم والرسل في القرآن ، فعطف قوله : (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ). على أولئك الرسل ، فكأنه قال : كما أرسلنا إلى أمم رسلا من قبل أرسلناك إلى أمة ، يعني : هذه الأمة ، و : (خَلَتْ). أي : مضت ولم تبق منهم باقية.
وفي هذا التزهيد في الدنيا والحث على الاعتبار بمن سلف. ثم قال : (لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [سورة الرعد آية ٣٠]. أي : لتتلوه عليهم وتدعوهم إلى العمل به فحذف ذلك.
وقوله : (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [سورة الرعد آية ٣٠]. موصول بقوله : (أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ). الكفر بالرحمن دينهم.
والأصل في هذا كله واحد إلا أن موضع الاستعمال يختلف (١).
__________________
ـ ذكر من قال : " الوسط" العدل. ينظر تفسير الطبري ٣ / ١٤٠ ـ ١٤١.
(١) قال الخيل : الأمّة : الدّين ، قال الله تعالى : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف ٢٢].
وحكى أبو زيد : لا أمّة له ، أي لا دين له. وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في زيد بن عمرو بن نفيل : " يبعث أمّة وحده".