وكتب قدر والمكتوب بمعنى معلوم وبمعنى محدد ، قال أبو عبيدة : كتب قضى ، وكتب حفظ.
والكتب في القرآن على خمسة أوجه :
الأول : بمعنى الفرض ، قال الله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ) [سورة البقرة آية : ١٧٩] ، أي : فرض ، وإنما جعل الفرض كتبا ؛ لأنه فرضه في الكتاب وهو في القرآن ، ومثله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) [سورة البقرة آية : ١٨٣] ، ومثله كثير.
الثاني : كتب قضى ، قال الله : (لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [سورة المجادلة آية : ٢١] ، ومثله : (لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللهُ لَنا) [سورة التوبة آية : ٥١] ، ومثله : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ) [سورة الحج آية : ٤] أي : قضى وبين ؛ لأن كل من تولاك ضال ، وقال : (لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [سورة آل عمران آية : ١٥٤] ، أي : قضى وذلك أن الله يقضي عليهم بالموت عند القتل لا محالة ، فجعل القتل من قضائه لأنه سبب لما يقضيه ، وهو الموت.
وليس ذلك بموجب أن يكون الذين قتلوا المؤمنين كانوا لا يقدرون على أن يقتلوهم ؛ لأنهم لو كانوا كذلك ما نهاهم الله عن قتلهم ، ولكن كان في المعلوم أنهم سيختارون قتلهم مع قدرتهم على تركه ؛ كما أن ما كتب أو أخبر أنه سيفعله فهو سكون لا محالة ، وأن الله قادر على أن لا يفعله.
ونزلت هذه الآية في قصة أحد لما أصيب بها المسلمون ، فقال المنافقون : لو كان لنا من الأمر شيء ما قلنا هاهنا ، أي : لو كان ما يزعمه محمد حقا ما قتل إخواننا هاهنا ؛ يعنون السلطان والغلبة ، فجعل قتل إخوانهم وأوليائهم قتلا لهم ، لأنهم منهم فأجابهم الله بقوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) [سورة آل عمران آية : ١٥٤] ، أي : لو قعد ثم في بيوتكم أراده السلامة لخرج منكم الذين كتب الله ؛ وعلم أنهم يقتلون إلى مضاجعهم ، أي : مصارعهم ، ولم يرد القتل عنهم قعودكم ، لأن خلاف ما علمه لا يكون.