ويجوز أن يكون معنى ذلك إنك تعلم ما أخفيه ، ولا أعلم ما تخفيه عني ، وجعل النفس عبارة عن هذا المعنى ؛ لأن ما يخفيه الإنسان يخفيه في نفسه ؛ فأخرج الكلام على العرف ، ويجوز أن يكون المعنى تعلم غيبي ، ولا أعلم غيبك ؛ لأن ما في النفس غيب فلما ذكر النفس قابله بمثله ليحسن نظم الكلام ، والمعنى معروف.
الثاني : قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [سورة التوبة آية : ١٢٨] ، أي : منكم.
الثالث : مجيء الأنفس بمعنى الإخوان ، قال الله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [سورة النور آية : ٦١] ، أي : على إخوانكم ، وهو قريب من الأول : (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ) [سورة النور آية : ٦١] ، لأن الله بينها ، : (مُبارَكَةً طَيِّبَةً) [سورة النور آية : ٦١] ، أي : يبقى أجرها وطيبها لكم ، والبركة البقاء والثبات.
الرابع : مجيئها بمعنى الإنسان ، قال الله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [سورة المائدة آية : ٤٥] ، أي : الإنسان بالإنسان ، وفي هذا دليل على أن الحر يقتل بالعبد ؛ لأن شرائع من قلناه ثابتة الحكم علينا ، ما لم يثبت نسخها ، ودليل هذا قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) [سورة النحل آية : ١٢٦].
وقال رسول الله صلى الله عليه : " المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، وقد استوى الحر والعبد في الإيمان" (١).
وعند أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر : أنه لا قصاص بين الحر والعبد إلا في النفس.
وعند ابن أبي ليلى : أنه يجب بينهما في النفس وفي جميع الجراحات التي تستطاع فيها القصاص.
__________________
(١) أخرجه النسائي من حديث علي بن أبي طالب (٤٧٤٦) ، وفي السنن الكبرى (٨٦٢٨) ، وأحمد في مسنده (٩٦٢) ، وله شاهد من حديث أم المؤمنين عائشة أخرجه الدارقطني (٣٢٢٢).