فلا نشك في أنه أراد التزويج ، وقال : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) [سورة النساء آية : ٢٥] أي : تزوجوهن لأن الزوج لا يلزم أن يجامع امرأته بإذن أهلها.
والوجه الآخر : قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)(١) [سورة النساء آية : ٢٢] ، أراد الجماع ، وذلك أن الرجل إذا مات وله امرأة قال وارثه : قد ورثت امرأته كما ورثت ماله وألقى عليه ثوبا فيملك بذلك نكاحها على الصداق الأول بغير عقد ثان ، والتزويج إنما هو اسم ، وكان الولد الذي يكون بينهما يقال له : المقتى. وقال الله تعالى : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً) [سورة النساء آية : ٢٢] ، والمقت اسم يجمع للبغض والاستقباح ، ومقت فلان نفسه إذا ذمها على قبيح ، والمعنى أن ذلك معصيته يمقتها الله.
وقال أبو الحسن : جميع ما في القرآن من ذكر النكاح فهو التزويج إلا حرفا واحدا في سورة النور وروى عن بعضهم أنه أراد الجماع ، وهو عند غيره أراد التزويج.
قال أبو هلال رحمهالله هو قوله : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) [سورة النور آية : ٣] ، قال أبو بكر : لا تخلوا الآية من أن تكون خبرا أو نهيا ، وقد علمنا أنه ليس بخبر ؛ لوجودنا رأينا بتزويج غير الزانية فثبت أنه أراد النهي ثم لا تخلوا أن تكون نهيا عن الوطء أو العقد أو عنهما جميعا ، ولا يجوز أن يكون المراد العقد ، لأن حقيقة النكاح الوطء.
ولا يجوز حمل الكلام على المجاز دون الحقيقة من غير دلالة فثبت أن المراد الوطء على ما يقوله ابن عباس ، ومن تابعه أو تكون الآية منسوخة على ما يقوله سعيد بن المسيب ، وغيره ، وقال في قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) [سورة النساء آية : ٢٢] ، حقيقة النكاح الوطء ، فكأنه قال : ولا تنكحوا ما وطئ آباؤكم في كل وط حراما كان أو حلالا ؛ كما أن الضرب والقتل ولا يختص بالحلال من ذلك دون الحرام.
__________________
(١) قال الشوكاني : قوله : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) نهى عما كانت عليه الجاهلية من نكاح نساء آبائهم إذا ماتوا ، وهو شروع في بيان من يحرم نكاحه من النساء ومن لا يحرم. ثم بين سبحانه وجه النهي عنه ، فقال : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً) هذه الصفات الثلاث تدل على أنه من أشدّ المحرمات وأقبحها ، وقد كانت الجاهلية تسميه نكاح المقت. قال ثعلب : سألت ابن الأعرابي ، عن نكاح المقت ، فقال : هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها ، أو مات عنها ، ويقال لهذا الضيزن ، وأصل المقت البغض ، من مقته يمقته مقتا ، فهو ممقوت ، ومقيت. [فتح القدير : ٢ / ١٠٨].