وهذا كما تقول : فعلت ذلك لفلان. أي : ميلا إليه وإعانة له ، وإنما قال فرعون هذا القول ليوهم غيرهم أنهم على اعتقاد التكذيب لموسى ؛ لأن لا يكون ما ظهر منهم داعية لغيرهم إلى الإيمان به.
وهو في القرآن على أربعة أوجه :
الأول : بمعنى : الإقرار باللسان من غير اعتقاد ؛ قال الله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [سورة المنافقون آية ٣]. يعني : أقروا علانية وكفروا سرا. وقوله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ، وقوله تعالى : [سورة [يا أيها آية الذين آمنوا](لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [سورة الممتحنة آية ١٣] هكذا جاء في التفسير.
ويجوز عندنا أن تكون المخاطبة في هذه الآية وما قبلها مخاطبة للمؤمنين حقا يأمرهم بخشوع القلوب وترك تولي المغضوب عليهم فيما يستقبل من أعمارهم.
وقيل : قوله : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) [سورة الحديد آية ١٦] أن هؤلاء قوم من المؤمنين قصروا بعض التقصير ولم يظهر عليهم أثر الإسلام ؛ خشوعه ووقاره فاستعتبهم الله بهذه الآية.
وقال بعضهم : كانوا بمكة مجتهدين فلما هاجروا أصابهم الزيف ففتروا عما كانوا عليه ، وأن الشيء يبين ، وأنى يأتي بمعنى دنا.
الثاني : التصديق سرا وعلانية ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) [سورة البينة آية ٧].
الثالث : التوحيد ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) [سورة المائدة آية ٥] ، قالوا : أراد بالتوحيد ، والمعنى على هذا : ومن يكفر بالله الموحد ، ويجوز [أن يكون] الكفر هاهنا الجحد : أي : من جحد الإيمان بهذه الأحكام التي تقدم ذكرها فقد حبط عمله ، وفيه دليل على أن من نذر طاعة ثم ارتد بطل نذره.
الرابع : إقرار المشرك ببعض ما يوافق المسلم ، قال [الله تعالى] : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [سورة يوسف آية ١٠٦] أي : إذا سألتم عن خالقهم قالوا : الله.