سنة حكيمة ولعل من بعض اسرارها أعمار نظام الدنيا الظاهري حتى تظهر دولة الحق فان الله تعالى أراد ان يعمرها بهذا النحو لأجل مصالح كثيرة ، وان الله تعالى ينعم على الكافرين ليميز الخبيث من الطيب ويزيد في درجات المؤمنين أو يرجع الكافر من العصيان الى الطاعة والايمان فإذا اختاروا صرف ما املى به الله تعالى لهم في الطغيان والعصيان فهم في غضب الله تعالى وسخطه ما لم يرجعوا فإذا رجعوا إلى الايمان والطاعة دخلوا في رحمته ورضوانه فالاملاء ليس علة تامة للمعصية بل هي تصدر بعمد الفاعل واختياره.
ولا يختص مضمون هذه الآية الشريفة بالذين كفروا أو بشخص معين بل يجري في النوع وفي كل من يعصى الله تعالى.
ومادة (ملل) تدل على رفع القيد ، ومنه أملى لفرسه إذا أرخى الطول ليرعى كيف شاء ومنه الملأ : الحين الطويل والأرض الواسعة لأنه يرجع إلى رفع القيد والإطالة أيضا ، وإلى هذا يرجع الملوان وهما الليل والنهار لطول تعاقبهما.
والمعنى : لا يحسبن الكافرون إن املاءنا لهم بالإمهال وازالة القيود المانعة عن الاستفادة من أموالهم وأولادهم وشؤونهم خير لأنفسهم لان الإنسان بطبعه يحب الخير لنفسه والشيء انما يكون خيرا إذا صرفه الإنسان في تهذيب نفسه وتزكيتها من مساوي الأخلاق أو كسب به عملا صالحا ينتفع به دائما ولكنهم صرفوها في الخيرية الموقتة الزائلة ولا ريب انه ليس بخير بل الخير ما كان نفعه دائما وابدا.
قوله تعالى : (إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً).
بيان لإحدى المصالح والحكم التي اقتضت إملاء الله تعالى لهم