مقابلته للأبرار.
وانما نهى عزوجل عن الغرور بتقلب الذين كفروا لان الحقيقة غير ما هم عليه ، ولا ينبغي ان يكون المظهر سببا للغرور والإغماض عن الحقيقة ، ولعل سبب النهي هو ان المؤمنين لما تحملوا تلك المشقات الكثيرة وذلك الابتلاء العظيم كما حكى عنهم عزوجل في الآية السابقة بينما ان الذين كفروا يتقلبون في البلاد يتحولون من نعمة الى نعمة اخرى مطمئنين آمنين يمكن ان يوسوس لهم الشيطان ان الكفار اولى منهم لأجل اولوية حالهم في الدنيا ، فكانت هذه الآية الشريفة بمنزلة دفع الدخل والتقدير ، ولرفع ذلك الهاجس البشرى وتزيل الاسى في نفوسهم الحاصل من الوسوسة.
قوله تعالى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ).
بيان لعلة النهي عن الغرور. اي : ان تقلبهم في البلاد انما هو متاع قليل لا دوام له ، وهذا من أخس الأوصاف ولا يمكن ان يقابل ذلك الثواب العظيم الذي أعده الله تعالى للأبرار ، بل ان متاع الأرض كله لا يمكن ان يقابل ذلك لان حركات غير الأبرار لما كانت للدنيا وفي الدنيا ، فان الدنيا وما فيها قليل من جميع الجهات بالنسبة الى الآخرة وفي الحديث : «ما الدنيا في الآخرة الأمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما ذا يرجع». والمتاع يمثل به عن الشيء الحادث الزائل خصوصا إذا اتصف بالقلة.
قوله تعالى : (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ).
اي : ثم مصيرهم ـ الذي يأوون اليه وقد مهدوه بكفرهم وسوء أعمالهم ـ هو جهنم وهي اسم لدار مجازاة الكفار والمذنبين في الآخرة.