الثاني : ان يكون بانيا على الطغيان والعصيان إلى ان يحضر بعض علامات الموت فيتوب حينئذ ، والمنساق من الآيات الشريفة عدم قبول التوبة حينئذ قال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) غافر ـ ٨٥ لان التوبة انما تقبل في ظرف اختيار العبد وتمشي القصد الجدي منه وهو لا يتحقق في وقت ظهور علامات الموت وورود الإنسان في الأشراف على أول منازل الآخرة وهو البرزخ إذ لا اختيار له.
الثالث : ما إذا كان بانيا على التوبة بحسب الفطرة ولكن تساهل فيها لغلبة الشهوات الدنيوية حتى إذا حضر بعض علامات الموت التي لا تسلب الاختيار ويتحقق منه القصد الجدي في الطاعة والمعصية ويترتب عليهما الآثار الشرعية والعرفية فتاب عن قصد فحينئذ تقبل التوبة ان كانت جامعة للشرائط كما تقبل وصيته قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) البقرة ـ ١٨٠ والروايات الدالة على قبول التوبة حتى إذا بلغت النفس الحلقوم تختص بهذه الصورة فتقبل التوبة لتحقق موضوعها.
وبالجملة : بعد إرجاع بعض الآيات إلى بعض يستفاد منها ان عدم قبول التوبة إما لأجل عدم تحقق الموضوع كما في صورة العناد واللجاج أو لأجل عدم تحقق ظرفها وهو الاختيار والقصد للطاعة والمعصية ، ونرجو منه جلت عظمته ان يدخل عباده في قوله عز شأنه في القدسيات «أغفر ولا ابالي».
وقد ظهر من جميع ذلك ان الاحتمال الاول وهو كون القيد احترازيا وان كان أوفق للقواعد فان المعروف ان الأصل في القيود ان يكون