قوله تعالى : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ).
أي : حتى إذا حضر الموت برؤية علاماته لاهية قلوبهم ، والجملة تدل على استهانتهم بالتوبة واستحقارهم لموجبات الرحمة والمغفرة ، فهم يدعون التوبة حال العجز ولم تتحقق حقيقتها عندهم ولم ترغب نفوسهم عن الذنب فإذا زال عنهم المهلكة عادوا إلى الذنب ورجعوا الى المخالفة والعصيان كما يخبر عن ذلك قوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) الانعام ـ ٢٨.
قوله تعالى : (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ).
اي : انه في حال العجز واليأس يردد على لسانه التوبة في تلك الحال فقط من دون ان يكون ذلك من حاق نفسه.
والآية تدل على تحقق التوبة اللسانية مرة واحدة بلا استمرار عليها بخلاف الآية السابقة التي دلت على الاستمرار المستفاد من هيئة المضارع في قوله تعالى : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) وهذه تؤكد ما ذكرناه آنفا من ان التوبة منه ليست على الحقيقة فانه التجأ إليها عند مشاهدة سلطان الآخرة وانقطاع أمله عن الدنيا بحضور الموت ولذا ذكر عزوجل (قالَ إِنِّي) ولم يقل (تاب) ونحو ذلك تحاشيا عن تسمية ما قاله توبة ، ونظير ذلك قوله تعالى حكاية عن المجرمين (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) السجدة ـ ١٢.
قوله تعالى : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ).
بيان لحال الطائفة الثانية وهم الذين يصدر عنهم الذنب عنادا ولجاجا واستكبارا على الله تعالى فلا توبة لهؤلاء كما لا توبة لأولئك