وأمّا الثالث : فما قاله الشيخ فيه : من الحمل علىٰ الكراهة . لا يخلو من إجمال ، لأنّه إن أراد أنّ مسّ الخط والتعليق مكروه اُشكل بأنّ قوله : « المصحف لا تمسّه علىٰ غير طهر » إما أن يراد به الخط ، أو المجموع من الورق والخط ، فإن كان الأوّل فهو محرّم عند الشيخ ، وإن كان الثاني فهو مكروه عند الشيخ أيضا ، إلّا أنّ ذكر الآية في الرواية يقتضي أن مفادها الكراهة ، وهو خلاف المعروف بين جماعة من الأصحاب (١) .
ولو اُريد بها الأعم من التحريم والكراهة علىٰ نحو من التوجيه لصحة الاستعمال ، كان أيضاً خلاف المذكور في كلام من ذكرناه .
ولو اُريد بالمصحف الخط فيكون محرّماً والآية إنّما ذكرت لأول الكلام ، كان خلاف الظاهر من الرواية ، بل هو مستلزم لخلل في الرواية غير خفي .
وما وقع في كلام جماعة من الأصحاب : أنّ الآية تدل علىٰ التحريم بظاهرها . ففيه : أنّ الآية الشريفة يتوقف الاستدلال بها علىٰ أن يكون الضمير في ( يَمَسُّهُ ) عائد إلىٰ القرآن ، لا إلىٰ الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ ـ علىٰ ما قيل ـ مع أنّه أقرب ، وعلىٰ أنّ الجملة الخبرية في ( لَّا يَمَسُّهُ ) بمعنىٰ الإنشاء ، وعلىٰ أن يراد بالطهارة الشرعية ، وإثبات ما ذكر مشكل (٢) .
وقد قال بعض المفسرين : إنّ المعنىٰ : لا يطلع علىٰ اللوح المحفوظ إلّا الملائكة المطهرون عن الأدناس الجسمانية (٣) .
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٨٧ ، والعلّامة في المنتهىٰ ١ : ٨٧ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٤٩ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٧٩ .
(٢) كما في الحبل المتين : ٣٦ .
(٣) منهم أبو السعود في تفسيره ٨ : ٢٠٠ .