كراهة واستدل بأصالة الإباحة ، وقوله تعالىٰ ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) (١) بالتخفيف كما قرأ به السبعة ، أي يخرجن من الحيض ، يقال : طهرت المرأةِ إذا انقطع حيضها ، جعل سبحانه غاية التحريم انقطاع الدم ، فيثبت الحل بعده عملاً بمفهوم الغاية ، لأنّه حجّة ، بل صرح الاُصوليّون بأنّه أقوىٰ من مفهوم الشرط .
وأمّا قراءة التشديد في : ( وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّىٰ يَطْهُرْنَ ) فلا ينافي ذلك ، لأنّ تَفَعَّل قد جاء بمعنىٰ فَعَلَ كَتَبسَّم وَتبيّن بمعنىٰ بان وبسم ، والحمل علىٰ هذا المعنىٰ أولىٰ ، صونا للقراءتين عن التنافي ، أو يقال : إنّ النهي محمول علىٰ الكراهة توفيقاً بين القراءتين ، فيكون المنهي عنه المباشرة بعد انقطاع الدم ، لسبق العلم بالتحريم حال الدم من قوله تعالىٰ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) (٣) .
ولي في هذا نوع تأمّل ، لأنّ مراد هذا القائل أنّ قراءة التشديد تحمل علىٰ ظاهرها من دون جعلها بمعنىٰ يَطْهُرن مخفّفاً ، ويكون النهي للكراهة لئلّا ينافي قراءة يطهرن بالتخفيف ، إذ مقتضاها الجواز إذا طَهُرن والكراهة لا تنافي الجواز ، فيتم عدم التنافي .
وفيه أوّلاً : أنّ التوفيق بين القراءتين لم يحصل ، لأنّ قراءة التشديد يكون النهي فيها عن القرب بعد انقطاع الدم ، وقراءة التخفيف تقتضي أنّ النهي عن القرب في حال الحيض ، فيتغاير المعنىٰ وإن اتحد المآل والمفهوم من توافق القراءتين معنىٰ ومآلاً .
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢ .
(٢) البقرة : ٢٢٢ .
(٣) قال به صاحب المدارك ١ : ٣٣٦ .