أمّا قوله في الآية الثانية : إنّ المراد موضع الحيض قطعاً . في الظاهر مجرد دعوىٰ ، فلا بد من بيان دليلها ، وكون الاعتزال ليس مراداً ، لا يدل علىٰ الاختصاص بالقبل .
ولعل الأولىٰ أن يقال : إنّ الظاهر من قوله تعالىٰ ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ . . . ) (١) إرادة محل الحيض لا زمان الحيض ، وبهذا يندفع بعض ما قدّمناه في الآية ، وذكر بعض المتأخّرين أيضاً أنّ قياس اللفظ يقتضيه ، ولسلامته من الإضمار والتخصيص اللازمين بحمله علىٰ المصدر (٢) . وفيه بحث إلّا أنّ مقام التأييد واسع الباب .
واعلم أنّ رواية الحلبي مروية في الفقيه بطريقه الصحيح (٣) ، وقد أجاب بعضهم عنها بأنّ دلالتها من باب مفهوم الخطاب وهو ضعيف (٤) . واعترض عليه بأنّ الظاهر كون دلالتها من باب مفهوم الحصر (٥) . ولا يخلو من تأمّل .
وما ذكره الشيخ في تأويل الخبر الأخير لا يخفىٰ أنّه لا يطابق الخبر ، لأنّ قوله : « لا شيء » في جواب : ما يحل له ؟ لا يقبل التأويل .
نعم الحمل علىٰ الكراهة أو التقية له وجه ، وقد نقل أهل الخلاف في أحاديثهم أنّ عائشة قالت : كان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض (٦) ، وذكر ابن الأثير في شرح الحديث أنّه دال علىٰ جواز المباشرة فوق الإزار ،
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢ .
(٢) المدارك ١ : ٣٥١ .
(٣) الفقيه ١ : ٥٤ / ٢٠٤ ، الوسائل ٢ : ٣٢٣ أبواب الحيض ب ٢٦ ح ١ .
(٤) كالمحقق الحلي في المعتبر ١ : ٢٢٥ .
(٥) كما في مدارك الأحكام ١ : ٣٥٣ .
(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٢ .