السفر ولم يجد إلّا الثلج أو ماءً جامداً ، فقال : « هو بمنزلة الضرر ، يتيمّم » (١) الحديث ، حديث إنّها ظاهرة في المتعمّد .
وكذا رواية السكوني في حكاية أبي ذر أنه أتى النبي صلّى الله عليه وﺁله فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء ، قال : فأمر النبي صلّى الله عليه وﺁله بمحمل فاستترت به [ وبماء ] فاغتسلت أنا وهي ، ثم قال : « يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين » (٢) فإنها صريحة في المتعمد .
ويجاب : بأنّ عدم تحريم تعمّد الجنابة ـ لو سلّم ـ لا يخالفها ؛ إذ لا ملازمة بين وجوب الغسل وإن خيف الضرر وبين تحريم التعمد ، ولا يلزم أن يكون ذلك عقوبة ، بل يجوز أن يكون من جهة إقدام المكلّف نفسه على ذلك الضرر ، وقد ثبت في الشريعة من الضرر بواسطة إقدام المكلّف ما لا يثبت إذا لم يتعمّد عليه ، ولذا لا يحكم بخيار الغبن مع علم المغبون .
وأمّا الاُصول المذكورة فلا شك أنها بعنوان العموم والأصل ، فتخصّص مع الدليل الخاص ، ولذا يثبتون التكاليف الشاقّة والمضارّ الكثيرة من الضمانات والجنايات وغيرها بالأدلّة المخصوصة ، ويقدّمون الأديان على الأبدان في مجاهدة الكفّار ومقارعة السيف والسنان ومبارزة الشجعان ، وما نحن فيه من ذلك القبيل ، إذ ما ذكر أدلّة خاصة بالنسبة إلى الاُصول المذكورة .
ومنه يظهر الجواب عن ردّ الخبر المخالف للكتاب والسنّة ، فإنه إنما هو إذا لم يكن بالعموم والخصوص المطلقين ( ولذا أجمعوا على تخصيص عام الكتاب بخاص الأخبار ، وكذا تقديم الموافق للكتاب والسنّة عند التعارض إنما هو إذا لم
__________________
(١) الكافي ٣ : ٦٧ الطهارة ب ٤٣ ح ١ ، التهذيب ١ : ١٩١ / ٥٥٣ ، الاستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٤ ، الوسائل ٣ : ٣٥٥ أبواب التيمم ب ٩ ح ٩ .
(٢) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٢ وما بين المعقوفين من المصدر .