وصحّة المدّعى تثبت بوجود الكمّ الهائل والكيف الرصين من الآثار والمصادر الاصولية الإمامية التي رفدت المكتبة الإسلامية الثقافية بنفائسها وروائعها ، فأضفت عليها هيبة ثقافية ومنزلة حضارية متألقة. ولو لا ضيق المقام لتناولنا نتاجات كل مرحلة من مراحل تطور علم الاصول الإمامي طبق التسلسل الزمني لها.
إنّ كتاب « كفاية الاصول » للشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني ( ١٣٢٩ ه ) من أجلّ وأروع نتاجات مرحلة تكامل علم الاصول الإمامي ، إنّه الأثر الخالد والسفر النفيس والغرّة الناصعة على جبين مدرسة الشيخ الأنصاري قدسسره ، وشامخة من شوامخ الصناعة الفكرية ؛ إذ أودع فيه المصنف قدسسره بدائع المباني والآراء بنهج ونسق جديد ، على غاية من الدقة والعمق والإحكام والإحاطة المذهلة.
وهذا الانجاز الاصولي المفخرة ـ بهذه الخصائص والصفات التي دان وشهد لها أقطاب الثقافة وأساطين العلم ـ هو بمثابة موسوعة ومدوّنة تخصّصية كبرى اختزل المصنف قدسسره عبارتها وضغط لفظها بشكل عجيب ، ففي الوقت الذي نلحظ السعة والإحاطة والاستيعاب وغزارة المادة المعرفية المودعة فيه والإشارة إلى المذاهب والآراء والأقوال بالعرض والتحليل والنفي والإثبات ، نلحظ أيضا منهج الوجازة بأرقى صورة وأبلغ معانيه مهيمنا طاغيا.
وهكذا مشروع اصولي كان لا بد أن يولّد الحافز الكبير والداعي القوي لانطلاق أقلام المعرفة والاختصاص في بيان أسراره وخزائنه وأفكاره عبر الشرح تارة والتعليق اخرى.
وتعدّ تعليقة آية الله المحقق الشيخ علي القوچاني ( ١٣٣٣ ه ) من أقدم وأهم التعليقات على كتاب كفاية الاصول ، التعليقة التي نالت آنذاك صدى واسعا وقوبلت بوافر المديح والقبول والثناء ، واعتبرت مصدرا علميا قيّما ومرجعا هاما لمعرفة آراء الآخوند الخراساني ومبانيه ، لا سيما وأنّ مؤلف التعليقة قدسسره هو واحد من أبرز تلامذة الآخوند وألمعهم.
ولد العلاّمة الجليل آية الله الشيخ علي القوچاني سنة ١٢٨٥ ه ق في قرية من قرى قوچان.
انخرط في سلك الدراسات الدينية فدرس بعض مقدماتها في مسقط رأسه ثم درس الصرف والنحو بمحضر أبيه الشيخ قاسم.
التحق بعدها بالحوزة العلمية في مدينة مشهد المقدسة لإكمال دراساته الحوزوية في