إلا أن الشريف صرف جنده وبقيت الإنقشارية موجودين (١) على حالها ، فأرسلوا مرسولا آخر إلى إيواز بيك ، فقال لهم :
«ما دامت الإنقشارية موجودين عندك فالعذر واضح ، وليس لي قصد إلا حقن الدماء بيننا وبينهم ، ولي قدرة على مكافحتهم ، ولكن ما في المهلة بأس ، فإن الأمر ما يحمل قتل المسلمين» /. فحصل عند الشريف أنفة من هذا القول ، لعدم مراده. فأظهر للقاضي غلاظة ، وقامت الغوغاء من الإنقشارية في المحكمة ، وارتفعت الأصوات ، وقالوا :
«هذا عصا الشرع فاكتب لنا حجة بعصيانه».
فامتنع القاضي ، فهجموا عليه يريدون قتله ، فهرب من هناك من الفقهاء ، ولحقوا القاضي ، ولزوه (٢) بالأيادي ، ورموا في جوف المحكمة بالبندق إرهابا له ، فلما رأى ذلك كتب لهم حجة بما في نفوسهم. فعند ذلك خرج الشريف سعيد من المحكمة ، وأمر الإنقشارية بالهجوم على إيواز بيك في بيته ، فسار ببيرقهم من ممشاة باب السلام على يسار المنبر قاصدينه.
فلما وصلوا إلى مقام المالكي ، بادر غلمانه إلى البنادق ، وكمنوا خلف عواميد (٣) المسجد ، مما يلي بيت مولاهم.
فلما أقبلوا ، أطلقوا في وجوههم الرصاص ، فولوا هاربين إلى أن دخلوا من باب الزيادة ، وانحاشوا في زيادته وما حولها من البيوت
__________________
(١) سقطت من (ج).
(٢) لزّه : شده وألصقه. إبراهيم أنيس ـ المعجم الوسيط ٢ / ٨٢٣.
(٣) المقصود أعمدة المسجد.