بحقيقة الحال ـ.
وفي هذه السنة : كان دخول نصوح باشا المدينة المنورة حادي عشر ذي القعدة ، فاجتمع عنده بعض الناس ، ورتبوا حيلة في حبس جماعة من أهالي المدينة ، ونهب أموالهم وبيوتهم ، وهتك مرعيهم وأعراضهم ، فعزل أيوب آغا شيخ الحرم المدني ، وأتى به إلى مكة صحبته. ونهب بيوت عثمان آغا آغاة الإسباهية ، وهتك حريمه ، وأخذه في الحديد إلى مكة ، ونفاه إلى سواكن ، وكذلك غيرهما.
وخرج من المدينة ثالث عشرين الشهر المذكور ، وبلغه أن حرب جلسوا له في الطريق ، لما بلغهم أنه نوى وعزم على حربهم وهلاكهم ، وأنه جاء إليهم بعدة أحمال مناشير لقطع نخلهم ، لموجب ما سبق منهم في العام الماضي من الحرب (١) ، فاعتدوا ، واحتزموا لقتاله.
فجاءه بعض أهل المدينة ، وقال له :
«مالك قدرة عليهم».
فترك طريقهم ، وأخذ طريقا غيره ، فحصل له غاية المشقة والتعب ، فزعق نفيره ، ومشى من طريق القاحة (٢) ، وتاه في جبالها ، ومات عطشا (٣) ، وحصل غاية المشقة والشدة على الحجاج حتى شاهدوا
__________________
(١) الحرب التي وقعت بينهم وبينه سنة ١١٢٣ ه عندما كمنوا له في خيف بني عمرو (الفرع) ، وقتلوا معظم من معه من الحجاج.
(٢) في النسختين «الباحة». والصحيح القاحة ، لأن الباحة تقع في المناطق الجنوبية من مكة بالقرب من الطائف. والقاحة هي التي على طريق المدينة. انظر عن ذلك : البلادي ـ معجم معالم الحجاز ٧ / ٧٧ ، على طريق الهجرة ٢٣٩ ، ٢٥٥.
(٣) ليس المقصود الموت بل التعب من العطش لأنه لم يمت فيها.