كأنه قال : لا يبقى إلا الفتى وليس باستثناء ؛ لأن الفتى ليس من التخيل والمراح ، وأما قوله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [سورة النساء آية : ١٥٧] وليس العلم من اتباع الظن فمعناه إلا أنهم يتبعون الظن ، وقوله تعالى : (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها) [سورة يوسف آية : ٦٨] فمعنى ذلك : لكن حاجة ، وكذلك قوله : (وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا) [سورة يس آية : ٤٣ ، ٤٤] أي : لكن رحمة.
وقال المبرد : لكن أن يرحمهم ، وقوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) [سورة الغاشية آية : ٢٢ ، ٢٣] أي : لكن من تولى فإنك مسلط عليه بالقتل ، وكذلك قوله : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) [سورة الحجر آية : ٤٢] أي : لكن لك على من اتبعك سلطان ، ويجوز أن تكون إلا في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) بمعنى الواو عند من يقول بذلك ، وقوله : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [سورة هود آية : ٤٣] معناه : لا معصوم من أمر الله إلا من رحم يريد المؤمنين الذين مع نوح عليهالسلام في السفينة كأنه قال : لا معصوم اليوم : (مِنْ أَمْرِ اللهِ) أي : من عذابه إلا المؤمن ، وفاعل بمعنى مفعول كثير في العربية يقولون : سر كاتم أي : مكتوم ، والراحلة بمعنى مرحولة ، وأمر عارف بمعنى معروف ، ويقولون : العارضة لما تعرض له داء من الذكارة والإناث وإنما هي معروض لها ، وكذلك تطليقة بائنة أي : مبانة ، والعائذ الذي يعوذ بها ولدها ، وعيشة راضية أي : مرضية ، وجاء الآشر بمعنى الماشورة ، ومثل هذا يجيء في مواضع لا يقع فيها إلتباس ، ويجوز أن يكون المراد بإلا من رحمهالله أي : لا عاصم غير الله ، ويجوز أن يكون المراد به نوح ؛ لأنه يعصم بأمر الله كما قال عيسى عليهالسلام : (وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) [سورة آل عمران آية : ٤٩].
قال المبرد : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي : لا عاصم يعصم الناس من أمر الله إلا من رحم فإنه تناله الرحمة ، والعاصم الفاعل ، ومن رحم معصوم ، ولكن لذكره العصمة فهم المعنى ، وقوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)