وإنما المراد أنه يكلف عباده ويأمرهم وينهاهم ، لأن الابتلاء والامتحان هو الأمر والنهي ، فسمى الله تكليفه وأمره عباده ابتلاء من هذا الوجه على سبيل التوسع.
ولا يجوز أن يقال أنه يجرد عباده ، وإن كان الابتلاء والتجريد بمعنى واحد ، وذلك أن استعمال الابتلاء في الله مجاز ، والمجاز لا يقاس عليه ، وإنما يقاس على الحقائق ، ولو لا أن أهل اللغة استعملوا الابتلاء في الله لم يجز استعماله فيه والعلة التي في الابتلاء ليست في التجربة وهي الاستعمال.
ولو جاز القياس على المجاز لجاز أن تقول : سل الحمار وسل الشاة ، وأنت تريد صاحبها ، كما جاء : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [سورة يوسف آية : ٨٢] أي : أهلها ، وفي امتناع ذلك دليل على ما قلنا.
الرابع : العافية والسلامة ، قال الله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) [سورة الرعد آية : ٦] ، يعني : أنهم يريدون تقديم العذاب لهم في الدنيا على ما هم فيه من العافية فيها ، وقوله : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [سورة الأنفال آية : ٣٢].
الخامس : العفو والمعروف من القول ، قال : (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) [سورة الرعد آية : ٢٢] ، أي : يدفعون القول القبيح المؤذي بالقول الحسن مرة وبالعفو أخرى ، والمعنى أنهم يتغافلون عنه فينقطع ، وكأنهم دفعوه ، ولو أجابوا عنه زيد فيه.
وقيل : معناه أنهم يدفعون بما يعملون من الحسنات ما تقدم لهم من السيئات ، قاله الزجاج ، وهو غلط لأن ما تقدم لا يدفع ، وإنما يقال ذلك في المستقبل ، وقال تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [سورة فصلت آية : ٣٤] ، أمره بالصفح والتغافل.
والمعنى لا تستوي الحسنة والسيئة ، ولا دخلت تأكيدا ، و : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، أي : ادفع السيئة ، ومما يلحق بما تقدم أن حد الحسن الفعل الذي يدعوا إليه العقل ، وحد القبيح الفعل الذي يزجر عنه العقل ، والإحسان الدفع الحسن ، والإساءة الضرر القبيح.