ويعتبرها اهل الذوق والعرفان دستورا ومنهاجا لهم في عروجهم العرفاني ونحن نشير الى بعض ما تقتضيه الحال :
الأول تتضمن الآيات الشريفة على مخاطبة المربوب مع الرب ومثل هذه المخاطبة تستلزم الحضور اي حضور المخاطب لدى المتكلم وهو من طرف مخاطبة الله تعالى مع عباده وخلقه صحيح لا ريب فيه لأنه حضور احاطي فعلي من كل جهة وأما من طرف المربوب مع الرب فهو حضور وجداني وهو من أعظم مراتب تجليات الرب العظيم على القلوب والضمائر ويبين مثل هذا الحضور الوجداني قول ابي عبد الله الحسين (عليهالسلام) في بعض حالاته الانقطاعية مع ربه «سيدي ماذا وجد من فقدك وما الذي فقد من وجدك» ويشير الى ذلك قول علي (ع) في الدعاء المعروف «الهي صبرت على عذابك فكيف اصبر على فراقك» وهذه هي الرابطة الاختيارية للعباد مع معبودهم الحقيقي.
ولعل من أعظم أسمائه الحسنى تأثيرا على القلوب وأشدها حضورا عند المخاطب اسم (الرب) ولذا نرى ان الأنبياء العظام يتوسلون بهذا الاسم المبارك في دعواتهم الشريفة وحالاتهم الانقطاعية ، وهو يدل على كمال الخضوع والخشوع لربهم ويستميلون عطفه وعنايته عزوجل الذي خلقهم ورباهم ومنّ عليهم بجميع النعم الظاهرية والمعنوية.
الثاني : يستفاد من الآيات المباركة ان اولي الألباب هم الذين وهبوا وجودهم وجميع حيثياتهم الى خالقهم فقد نصبوا أنفسهم على الجهاد والمثابرة والصبر على البلايا والأذى في سبيل الله تعالى فصاروا بذلك مظاهر حقيقة لقول (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) سورة البقرة ـ ١٥٦ والالتفات الى هذه الحالة وترتيب الأثر عليها من أهم الطرق التي سلكها الأنبياء (عليهمالسلام) والأولياء في السفر الى الله تعالى والسير