بل يمكن ان يقال بأن التوكل طريق لمعرفة ايمان المؤمن بل هو محقق له لأنه لا يرى لغير الله تعالى أثرا فالجميع مسخر تحت ارادته وانما جعل لها نظاما معينا أقام امور العالم به فتجرى وفق قانون الأسباب والمسببات خاضعة له لا تتخلف عنه ، إلا انها عاجزة عن اي نفع وضرر لأنها لا تفعل شيئا الا بإرادته ومشيته عزوجل والمؤمن يذعن بهذا النظام الذي أقام الله تعالى هذا العالم به ويطلب كل شيء عن طريق سببه ويعمل ويكافح على إيجاد الأسباب الظاهرية المنوطة بها المسببات ويطلبها وفق ما امره الله تعالى طلبا تكوينيا أو تشريعيا ولكنه يعترف بالعجز امام قدرة الله تعالى ويذعن بالجهل امام المقادير التي قدرها عزوجل ويعلم بأن الأسباب الظاهرية التي عمل لأجلها شيء والمقادير والقضاء والقدر والأسباب الخفية التي يجهلها شيء آخر وجميعها خاضعة له عزوجل مسخرة امام ارادته ومشيته وهو عاجز عنها فيوكل امره اليه معتقدا بانه حسبه وناصره ومعينه.
ومن جميع ذلك يعلم بأن التوكل لا ينافي الأسباب الظاهرية بل الاعتقاد بها والعمل عليها من جملة اساسيات فضيلة التوكل ويدل على ذلك قوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الشورى ـ ٣٦.
ويستفاد من هذه الآية الشريفة أمران : الاول ان الإنسان لا يمكن له التغاضي عن متاع الحياة الدنيا الذي هو من نعم الله تعالى عليه فهو الذي يقضى به مآربه ويحقق مقاصده ويعيش عليه في هذه الحياة الدنيا وأما ما عند الله فهو خير من هذا المتاع القليل في الكمية والكيفية وانما جعل الله هذه الدنيا وسيلة لنيل ما هو أعظم منها ولا يمكن تحصيل هذا المتاع الا بأسباب خاصة معروفة يجري عليها نظام هذا العالم فالتوكل