الذنوب (١) الق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر ، عود نفسك الصبر ، فنعم الخلق الصبر ، واحملها (٢) على ما أصابك من أهوال الدنيا وهمومها ، فاز الفائزون ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى فإنه جنة من الفاقة. وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى الله الواحد القهار (٣) فإنك تلجئها إلى كهف حصين ، وحرز حريز ، ومانع عزيز (٤) ، وأخلص المسألة لربك (٥) فإن بيده الخير والشر ، والاعطاء والمنع ، والصلة والحرمان.
وقال ( عليهالسلام ) في هذه الوصية : يا بنى الرزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن لم تأته أتاك (٦) فلا تحمل هم سنتك على هم يومك ، وكفاك كل يوم ما هو فيه فإن تكن السنة من عمرك فإن الله عزوجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك ، واعلم أنه (٧) لن يسبقك إلى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يحتجب عنك ما قدر لك ، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه ، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير وكل مقرون به الفناء ، اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين ، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره (٨) ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه ، فلا يغرنك
__________________
(١) التقحم : التهجم في المهالك بلا روية ، والمراد أن الحريص لا يقنع بالحلال
(٢) الضمير المؤنث راجع إلى النفس والجملة الآتية إلى « الفاقة » تفصيل لمعنى الصبر.
(٣) ألجئ أمر من الالجاء أي بالتوكل والتفويض.
(٤) أي فإنك حينئذ أي حين ما تلجئها إلى الله عزوجل تلجئها إلى حصن حصين.
(٥) أي لا تسأل أحدا غيره سبحانه وتعالى فان أزمة الأمور طرأ بيده.
(٦) ما تطلبه هو الزيادة ، وما يطلبك هو الكفاف والله ضامن له كما قال « هو الرزاق ذو القوة المتين » وقال : « وفي السماء رزقكم وما توعدون ».
(٧) قوله عليهالسلام « واعلم ـ الخ » لبيان أن الرزق مقدر مقسوم ، لا يزيده اتعاب متعب ، ولا ينقصه اقتصاد مقتصد في الطلب.
(٨) بل يموت قبل اليوم أو في اليوم ، واللام في « لرب » جواب قسم محذوف ، وقوله « مغبوط » عطف على « مستقبل » ومعناه من يتمنى الناس حاله.