من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم (١) ، فإنه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت.
يا بنى : اقبل من الحكماء مواعظهم (٢) وتدبر أحكامهم ، وكن آخذ الناس بما تأمر به وأكف الناس عما تنهى عنه ، وأمر بالمعروف تكن من أهله ، فإن استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الامر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء ، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ولكنهم ورثوا العلم ، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر.
واعلم أن طالب العلم يستغفر له من في السماوات والأرض حتى الطير في جو السماء والحوت في البحر ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به ، وفيه شرف الدنيا والفوز بالجنة يوم القيامة ، لان الفقهاء هم الدعاة إلى الجنان والا دلاء ، على الله تبارك وتعالى وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك ، وارض لهم ما ترضاه لنفسك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك ، وحسن مع جميع الناس خلقك حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك (٣) وإذا مت بكوا عليك وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا تكن من الذين يقال عند موته : الحمد لله رب العالمين.
واعلم أن رأس العقل بعد الايمان بالله عزوجل مدارأة الناس ، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لابد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا ، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون ملء مكيال ثلثاه استحسان وثلثه تغافل (٤) ، وما خلق الله عزوجل شيئا أحسن من الكلام ولا أقبح منه ، بالكلام
__________________
(١) لان ذلك ربما كان استدراجا فحسبته نعمة ، وقوله « فإنه » أي فان الله عزوجل.
(٢) أي العلماء الذين يعلمون ما يصلح العبد وما يفسده ، وقد أشار تعالى إليهم وقال : « ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ».
(٣) من الحنين بمعنى الاشتياق ، حن إليه أي اشتاق.
(٤) المراد بالاستحسان عد شئ حسنا وهو فيما يمكن من الافعال حمله على أنه حسن وفيما لا يمكن ذلك فيه ينبغي حمله على التغافل. ( مراد )