ابيضت الوجوه ، وبالكلام اسودت الوجوه ، واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به فإذا تكلمت به صرت في وثاقه ، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك ورقك ، فإن اللسان كلب عقور فإن أنت خليته عقر ، ورب كلمة سلبت نعمة ، من سيب عذاره (١) قاده إلى كل كريهة وفضيحة ، ثم لم يخلص من دهره إلا على مقت من الله عزوجل وذم من الناس (٢).
قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه (٣) ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ ، من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب (٤) ، والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم ، والعاقل من وعظته التجارب ، وفي التجارب علم مستأنف ، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال (٥) ، الأيام تهتك لك عن السرائر الكامنة ، تفهم وصيتي هذه ولا تذهبن عنك صفحا (٦) فإن خير القول ما نفع.
__________________
(١) أي أرسل نفسه بلا لجام الدين والعقل ولم يقيد بأحكامهما من الأوامر والنواهي ، والمذار من الفرس كالعارض من الانسان ، وسمى اللجام عذارا تسمية باسم موضعه وهو كناية عن العنان ، ولعل الضمير في « عذاره » للسان.
(٢) لم يخلص من دهره كناية عن الموت ، وفي بعض النسخ : « لم يتخلص دهره » وفي بعضها « لم يتخلص من وهدة » ، والمقت : البغض والعداوة.
(٣) خاطر بنفسه أي أوقع نفسه في الخطر.
(٤) المفظع : الشنيع والصعب ، والنوائب جمع نائبة وهي المصيبة والحادثة ومفظعات والطاء المهملة فيمكن حينئذ أن يقرء بفتح الطاء من قبيل قوله عزوجل « قطعت لهم ثياب من نار » وأن يقرء بكسر الطاء أي النوائب المقطعة للأوصال.
(٥) أي في العسر والانتقال من الشدة إلى الرخاء ومن الرخاء إلى الشدة والصحة والمرض يعرف الكمال والنقص باعتبار الاستقامة وعدمها.
(٦) الهتك : حرق الستر عما وراءه ، و « صفحا » مفعول له أو حال من فاعل « تذهبن » أي بأن تعرض عنها بصفحة وجه قلبك ، وقوله « فان خير القول ـ الخ » تعليل للنهي عن الاعراض عن النصيحة فإنها حينئذ تضيع حيث لا تنفع فلا يكون فيه خير بالنسبة إلى المنصوح.