إعلم يا بنى أنه لا بدلك من حسن الارتياد (١) وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر ، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون عليك ثقلا في حشرك ونشرك في القيامة ، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
واعلم أن أمامك مهالك ومهاوي (٢) وجسورا وعقبة كوودا لا محالة أنت هابطها (٣) وأن مهبطها إما على جنة أو على نار ، فارتد لنفسك قبل نزولك إياها (٤) و إذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل زادك إلى القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله (٥) وأكثر من تزوده وأنت قادر عليه ، فلعلك تطلبه فلا تجده ، وإياك أن تثق لتحميل زادك بمن لا ورع له ولا أمانة فيكون مثلك مثل ظمآن رأى سرابا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فتبقى في القيامة منقطعا بك (٦).
وقال ( عليهالسلام ) في هذه الوصية : يا بنى البغي سائق إلى الحين ، (٧) لن يهلك امرء عرف قدره ، من حصن شهوته صان قدره (٨) قيمة كل امرء ما يحسن ، الاعتبار يفيدك الرشاد ، (٩) أشرف الغنى ترك المنى ، الحرص فقر حاضر ، المودة قرابة
__________________
(١) الارتياد : الطلب والمراد هنا طلب ما فيه صلاح.
(٢) من أهوال يوم القيامة ، والجسور جمع الجسر.
(٣) قوله : « كؤودا » أي شاقه ، والهبوط النزول.
(٤) فارتد لنفسك أي اختر لها قبل نزولك فيها الجنة بأن يكون مهبطك إليها.
(٥) أي تصدق في الدنيا على الفقراء فكأنهم حملة زادك.
(٦) لما حث على التصدق وشبهه بحمل الزاد على من يتصدق عليه ليوصله إلى القيامة شبه التصدق على على غير المستحق بحمل الزاد على من لا ورع له فيذهب بالزاد فلم يصل إليه حين الاحتياج ، ومعنى منقطعا بك أن يقطعك عن الزاد أي تبقى لا زاد لك. ( مراد )
(٧) الحين ـ بفتح المهملة ـ : الهلاك والمحنة ، وفي بعض النسخ « الجبن » ولعله تصحيف.
(٨) في بعض النسخ « من حظر شهوته » أي منعها ، وحصن أي حفظ.
(٩) الاعتبار من العبور والمقصود الاتعاظ ، قال الجرجاني في التعريفات : الاعتبار أن يرى الدنيا للفناء والعاملين فيها للموت ، وعمرانها للخراب ، وقيل : الاعتبار اسم المعتبرة وهي رؤية فناء الدنيا كلها باستعمال النظر في فناء جزئها ، وقيل الاعتبار من العبر وهو شق النهر والبحر يعنى يرى المعتبر نفسه على حرف من مقامات الدنيا.