إرادة خلاف الظاهر في تلك ، فلا وجه حينئذ لرفع اليد عن أصالة الظهور الجارية في تلك الروايات بإجراء أصالة عدم التقيّة في هذه ، بل العكس أولى ، إلّا أن نقول بحكومة هذا الأصل على تلك. وفيه تأمّل.
هذا ، مع إمكان أن يقال : إنّ إعراض الأصحاب عن ظواهر الأخبار الدالّة على جواز الترك أو التبعيض أسقطها عن درجة الاعتبار فضلا عن صلاحيّتها للمعارضة.
بل قد يقال بأنّ قوله عليهالسلام في صحيحة (١) إسماعيل : «أما إنّي أردت أن أعلّمكم» وفي خبر (٢) سليمان : «إنّما صنع ذا ليفقّهكم ويعلّمكم» قرينة على صدور هذه الأخبار تقيّة ؛ إذ المراد بهما ـ بحسب الظاهر ـ تعليمهم جواز التبعيض للتقيّة.
وهو لا يخلو عن إشكال ؛ إذ المجوّز للتبعيض على تقدير وجوب سورة كاملة هو نفس التقيّة لا تعليمها ، مع أنّ ظاهر الخبرين أنّه لم يكن إلّا للتعليم ، فهو لا يناسب الوجوب.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ التقيّة واسعة ، فمهما تحقّق موردها ـ أي المحلّ الذي لا يأمن المكلّف من مخالفتهم ـ جاز له اختيار كلّ ما يرونه جائزا في مقام امتثال تكاليفه من غير فرق بين اختيار ما هو صحيح في الواقع وبين غيره ، فكما أنّ له الإفتاء بجواز قراءة البعض تقيّة ، كذلك له اختيارها في الصلاة وإن كان قراءة مجموع السورة أيضا غير منافية للتقيّة ، فإنّهم يرون جوازه ، فعلى هذا يجوز في مقام التقيّة ترجيح قراءة البعض ، التي هي في حدّ ذاتها غير جائزة لو لا التقيّة لأجل أن يفقّههم ويعلّمهم.
__________________
(١) تقدّمت الصحيحة في ص ١٨٧.
(٢) تقدّم الخبر في ص ١٨٨.