ومن أنّ المراد بالبدأة بفاتحة الكتاب ـ على ما ينسبق إلى الذهن ـ إنّما هو تقديمها على غيرها من القرآن الواجب قراءته في الصلاة ، أي الإتيان بها قبل السورة من غير أن يكون عنوان الابتدائيّة أو القبليّة قيدا في ماهيّة المأمور به كي يجب قصده ، وهذا المعنى يتحقّق بإعادة السورة بعد الحمد بعد إلغاء ما قرأه أوّلا.
هذا ، مع أنّ المقصود بالروايتين بيان بطلان الصلاة أو القراءة العارية عن الفاتحة التي محلّها الموظّف شرعا في ابتداء القراءة المعتبرة في الصلاة ، لا بيان اعتبار وصف الابتدائيّة من حيث هي للفاتحة كي ينافيه تأخّرها عن قراءة غير معتدّ بها.
وكيف كان فهذا هو الوجه الأقوى.
ولكن قد يقال بوجوب الاستئناف في العامد ؛ نظرا إلى عدم الاعتداد بما أتى به من الفاتحة وغيرها من أفعال الصلاة ما لم يرتدع عمّا قصده من مخالفة الترتيب ، فإنّ قصد المخالفة ينافي العزم على الصلاة الصحيحة المبرئة للذمّة ، فلا تتحقّق معه استدامة النيّة المعتبرة في الصلاة ، وحيث إنّا قد حقّقنا في محلّه أنّ استدامة النيّة إنّما تعتبر حال التلبّس بأفعال الصلاة لا مطلقا ، فلو اكتفى بالفاتحة التي قرأها قبل أن يرتدع عن قصده ، بطلت صلاته ؛ لاختلال شرطها ، وإن تداركها قبل فوات محلّها صحّت ؛ إذ لا يلزم منه إلّا شبهة الزيادة العمديّة وغيرها ممّا عرفت عدم قادحيّتها للصحّة.
ويمكن دفعه بمنع التنافي بين مخالفة الترتيب عمدا والعزم على فعل الصلاة المبرئة لذمّته ، وإلّا لم يتحقّق التشريع بتقديمه للسورة ؛ لأنّ حصول التشريع بذلك موقوف على قراءتها بقصد جزئيّتها للصلاة المأتيّ بها امتثالا لأمر الله ؛ إذ لو لا إيقاعها بهذا الوجه ، لا يندرج في موضوع التشريع ؛