فالاستشهاد بمثل هذه الروايات لما نحن فيه ـ كما في الحدائق (١) وغيره (٢) حيث عدّوها من أخبار الباب ـ لا يخلو عن نظر.
وكيف كان فقضيّة الجمع بين أخبار الباب تقييد إطلاق الأخبار الدالّة بظاهرها على جواز العدول مطلقا بقوله عليهالسلام في موثّقة عبيد بن زرارة : «له أن يرجع ما بينه وبين أن يقرأ ثلثيها» (٣) فإنّ ظاهرها أنّه ليس له العدول بعد قراءة الثلثين ، كما أنّ صريحها أنّ له العدول قبل بلوغ الثلثين وإن تجاوز النصف ، وليس في شيء من الأخبار المزبورة ما ينافي ذلك ، عدا قوله عليهالسلام فيما رواه في الذكرى عن نوادر البزنطي : «يرجع إلى التي يريد وإن بلغ النصف» (٤) فإنّ التعبير بـ «إن» الوصليّة مشعر بكون بلوغ النصف هو الفرد الخفي الذي ينتهي عنده جواز الرجوع ، ومفهوم قوله عليهالسلام في الخبر المرويّ عن كتاب دعائم الإسلام : «فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأخرى» (٥) وقوله في الرضوي : «وإن لم تذكرها إلّا بعد ما قرأت نصف سورة فامض في صلاتك» (٦).
وشيء ممّا ذكر لا يصلح لمعارضة الموثّقة ؛ فإنّها بعد الغضّ عن أسانيدها تقصر عن مكافئة الموثّقة من حيث الدلالة أيضا.
أمّا الأوّل : فواضح ؛ فإنّ غايته الإشعار لا الدلالة ، فيحتمل أن تكون النكتة في هذا التعبير عدم حصول الداعي للعدول ورفع اليد عمّا قرأ غالبا
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٨ : ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) جواهر الكلام ١٠ : ٥٨ ـ ٥٩.
(٣) تقدّمت الموثّقة في ص ٣٨٥ ـ ٣٨٦.
(٤) تقدّم خبر البزنطي في ص ٣٨٧.
(٥) تقدّم خبر الدعائم في ص ٣٨٧.
(٦) تقدّم الرضوي في ص ٣٨٧ ـ ٣٨٨.