لأنّه أنسب الخيارات للطبيعة البشرية ، ولأنّ القوى الغضبية والشهوية موجودة في الحيوان ، كما هي موجودة في الإنسان ، أمّا القوى العقليّة فهي خاصة بالإنسان.
ولذلك ، فإنّ الإسلام يطرح قاعدة : « لا عقوبة إلاّ بعد قيام الحجّة » وهذه قاعدة أُصولية وكلامية وتقنينية هامّة ، ويقول علماء الأُصول : إنّ تنجيز الأحكام لا يتمّ إلاّ بالعلم (١) في القانون الوضعي ، والقانون الشرعي ، والسرّ في ذلك يرجع إلى نفس النكتة السابقة ، وهي أنّ الإنسان موجود عاقل ذو فكر ، ويجب أن يكون عقله مسيطر على باقي قواه الأُخرى ، ومن الخطأ إقحام العقوبات والردع ، وإطلاق العنان للقوّة الغضبية بدون المرور بمحطة العقل والفكر ، باعتبار أنّ العقل هو الذي يدبّر باقي القوى الأُخرى كما قلنا.
الفرق بين العقوبة والردع
وهناك فرق بين اصطلاح « العقوبة » واصطلاح « الردع » ، فالعقوبة هي نوع من الجزاء للمجرم على ما ارتكب من الإثم والجرم ، بعد ارتكابه لذلك الإثم والجرم ، أمّا الردع ، فقد يطلق على الدفع ، وقد يطلق على الرفع ، ويعني الردع : أنّ المخالف ، والذي اجرم جرماً ، وهو لا يعلم أنّ هذا الأمر جرم ، فهذا الشخص لا يعاقب ، وذلك لأنّه لا يعلم ، ولكن يجب أن يُنهى عن الاستمرار في هذا الأمر الممنوع والمخالف. وقد يكون الردع من باب الدفع ، كما لو أراد أن يُقدم إنسان ما على منكر وفاحشة معيّنة ، وهو لا يعلم ، ولكن يردع بدرجة مناسبة لانتهائه عن ذلك المنكر ، مع أنّ الحجيّة لم تتمّ عليه.
إذن الردع لايحتاج إلى قيام الحجّة ، ويتحقق القيام بالردع وإن كان بالفعل السيء لم تتمّ عليه الحجة ، والسرّ في ذلك أنّ مصلحة المجتمع قد تتطلب هذا
__________________
١ ـ أصول الفقه ٣ : ٣٥ عند قوله : « وغاية ما نقوله في دخالة العلم .. ».