محدّث ولا مرتاض ولا عارف ولا صوفي ولا سياسي ولا داهية ولا اقتصادي فالآية حصرت وقالت : ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ، أي : لا يمسّه إلاّ أهل آية التطهير (١) ، ذلك الكتاب تبيان لكلّ شيء ، وأمّا المصحف الذي بين أيدينا فهو وجود من وجودات القرآن ، ويسمّى تنزيل القرآن ، وذاك حقيقة القرآن.
الرازي ، الشهيد المذكور في الآية لابدّ أن يكون معصوماً
وفي الكلام عن الآية ٨٩ من سورة النحل ، يقول الفخر الرازي ـ وهو من علماء العامة ، وكان متكلّماً ، وإلى حدّ مّا فيلسوفاً ذا باع وإحاطة ، ويعتبر تفسيره من أبرز تفاسير مذهب العامّة في آفاق الأُمور الفكرية والرؤى المعرفيّة ، عندما يصل إلى هذه الآية الكريمة : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّة شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً ) (٢) من هو هذا الشهيد؟ والأُمّة أيّ أُمّة؟ والأُمّة في اللغة هي الجماعة التي تعيش في كلّ مائة عام ، يعني : هناك شهيد بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله في الاُمّة الإسلامية على هذه الأُمّة يشهد عليهم أعمالهم ، فيقول الفخر الرازي : من غير المعقول أن يكون هذا الشاهد على الأُمّة يرتكب الخطأ أو الزلل أو يمكن صدور الخطأ والزلل منه ، ولا بدّ أن يمتنع عليه الخطأ والزلل ، وإلاّ فكيف يكون شهيداً؟
فمن باب أولى أن يكون مشهوداً عليه إذا كان من الذين يخطؤون ويزلّون ، فمقام الشهادة والإشراف على كلّ الأُمّة في كلّ قرن لابدّ فيه من العصمة في مقام الشهادة والشهيد ، ولكنّه بعد أن يقرّ بهذه المقدّمة ، يقول : ربّما يكون هذا الشهيد هو الإجماع (٣) ، بدلا من الإقرار بوجود الإمام المهدي المنتظر ( عجّل اللّه فرجه
__________________
١ ـ الأحزاب (٣٣) : ٣٣.
٢ ـ النحل (١٦) : ٨٩.
٣ ـ التفسير الكبير ٧ : ٢٥٧.