وقيل : آخر سورة نزلت بالمدينة (١) ، وإن كان الأصح بين المفسّرين أنّ سورة المائدة هي آخر سورة نزلت.
حروب النبي صلىاللهعليهوآله كلّها دفاعيّة
وطَرْحُ مثل هذه الآيات هدفه التأمّل ، ومراجعه الأحكام الواردة في كتب الجهاد عند المسلمين في تشريع الجهاد الابتدائي ، أمّا بالنسبة لسيرة النبي صلىاللهعليهوآله فيقولون : إنّنا يجب أن نفرّق بين سيرة النبي ، وسيرة من بعده عموماً ، وأنّ حروب النبي ابتداءً من بدر ، وحتى تبوك لم تكن حروباً تمثّل الجهاد الابتدائي ، بل كلها حروب دفاعيّة ، والشاهد على ذلك أنّ غزوة بدر لم يقم بها النبي صلىاللهعليهوآله إلاّ بعد أن قامت قريش بالاعتداء على المسلمين ، وعلى أموالهم في مكّة المكرّمة ، بل كانت قريش تعتدي على المسلمين حتّى في المدينة المنوّرة على شكل غارات ليليّة ، فكان هدف النبي صلىاللهعليهوآله وقف العدوان القرشي ، والاقتصاص من قريش فلذلك هجم على قافلة قريش التي كان يقودها أبو سفيان ، وحينها نزل قوله تعالى : ( وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) (٢) ، ونجت قافلة أبي سفيان من المسلمين الذين كانوا يبنون على المقاصّة المالية ، والمقاصّد المالية منطق دفاعي ، وليس منطقاً عدوانيّاً ، وليس جهاداً ابتدائياً ، كما هو مطروح في فقه المذاهب الإسلامية ، وأنّ أبا سفيان قد أرسل إلى جيش قريش قائلا : إنّ العير قد نجت ، ولا حاجة للحرب ، إلاّ أنّ قريش بخيلائها وكبريائها أبت الرجوع عن الحرب (٣) ، وعتبة قد نصح قريش أن لا تعتدي على النبي صلىاللهعليهوآله ، وأن لا تحاربه ، وكان النبي صلىاللهعليهوآله يقول : إن
__________________
١ ـ القائل : قتادة ومجاهد ، مجمع البيان ٥ : ٣ ، سورة التوبة.
٢ ـ الأنفال (٨) : ٧.
٣ ـ شرح نهج البلاغة ١٤ : ١٠٦.