عقود يتنكّرون لوجود الجهاد الابتدائي في الإسلام ، وأنّ الجهاد المذكور في القرآن الكريم هو جهاد دفاعي ، وليس جهاد ابتدائي ، وقالوا : إنّ هناك فرق بين التشريع الإسلامي ، وممارسة المسلمين ، وقد استدلّوا ما قالوا : بالعديد من الآيات والروايات النبويّة ، وقبل أن نستعرضها نودّ الإشارة إلى أنّ تنصّل هؤلاء مما حصل أثناء الفتوحات ، إقرار بوجود أخطاء ، وتجاوزات قامت بها جيوش الفتح.
ومن الآيات التي استدلّوا بها ، وهي آيات مدنيّة قوله تعالى : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (١) ، واعتبروا هذا النص نصاً مقيّداً لباقي النصوص القرآنية التي تدعوا إلى الجهاد ، واستدلّوا بقوله تعالى : ( لاَ يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْء فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٣) ، عند كثير من المذاهب أنّ هذه الآية ليست منسوخة ; لأنّ هذه الآية تدلّ على تشريع المهادنة مع الكفار ، وعقد العهد والأمان معهم ، وهذا يدلّ على أنّ قتال الكفار في القرآن الكريم ليس بشكل مطلق ، وقوله تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُونَ ) (٤) ، وهذه السورة من أواخر السور التي نزلت ،
__________________
١ ـ البقرة (٢) : ١٩٠.
٢ ـ الممتحنة (٦٠) : ٨.
٣ ـ الأنفال (٨) : ٦٠ ـ ٦١.
٤ ـ التوبة (٩) : ٦.