كمال إلى كماله ، والكمال أمر ملائم للإنسان فيه الراحة وفيه السعادة ، ووصول الإنسان إلى كمال يعتبر حقاً طبيعياً وفرّه الله تعالى للإنسان ، وهذا الأمر لا يحتاج إلى قانون ، والمفروض أن يكون القانون هو فرع للعدالة البشرية ، والعدالة هي وصول كلّ ذي قابلية إلى كماله المنشود ، والعدالة مرتبطة بعناصر تكوينية ، فالعدل لا يتوقف على وجود جمعيّة وطنية أو برلمان أو دستور أو غير ذلك ، ومن ثمّ يكون الإجحاف والحرمان والاضطهاد أُمور ملموسة تكوينياً عند أفراد المجتمع ، وُضِع الدستور أم لم يوضع ، رسم الدستور الطريق الصحيح أو لم يرسم ، إذن العدالة ليست أمراً اعتبارياً فرضياً ، وإنّما العدالة أصل.
الأفعال الإلهية تنطلق من موازين دقيقة جدّاً
وفي الشبهة الثالثة قالوا : إنّ الله يفعل ما يفعل ، كيفما يشاء ، ولا يحكم الله عزّ وجل قانون معيّن ، بل هو يخلق القوانين الكونية ـ فضلا عن القوانين غير الكونية ، وهي القوانين الاعتبارية والفرضية ـ هذا صحيح ، ولكن هذا لا ينفي وجود موازين مخلوقة من الله عزّ وجل ; لأنّ نفس الذات الإلهية هي أعلى ما يمكن أن يكون من نظام في المعرفة بالنظام الربوبي ، وإذا أردنا أن نجد نظاماً متكاملا ضمن موازين لا متناهية في الدقّة فهو نفس الذات الإلهية ، والذات الإلهية لها أسماء وصفات ، وقد ورد في الدعاء « وأيقنت أنّك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبّرين في موضع الكبرياء والعظمة » (١) ، ففي موضع معيّن أيّ الاسمين يحكم ، هل هو اسم الرحمن أم اسم المنتقم؟ القابض أم الباسط المحيي أم المميت؟ وكلّ هذه الأُمور تمثّل نظاماً ، وليس الأمر أمراً اعتباطيّاً.
__________________
١ ـ دعاء الافتتاح.