المدني ، أنَّ هذه المجتمعات وإن كانت علمانية إلاّ أنّها لم تُطلّق الدين طلاقاً مؤبّداً ، وأنّهم حفظوا ـ ولو بالشكل ـ موروثهم الحضاري الثقافي الديني كلٌّ بحسب دينه سواءً كانوا في اليابان أو في الهند أو في أوروبا المسيحية ; وذلك لأنّ طبيعة المجتمعات البشرية تجعل منها مخزناً تختزن فيه الموروثات الحضارية ، ومن المستحيل أن يبدأ مجتمعٌ بشريٌ من الصفر ، بل لا بدَّ أن يرث من الأُمم السابقة ما يرث ، فنحن نلاحظ أنّ العلمانيين الغربيين أسماؤهم أسماء مسيحية ، وتكون عندهم إلى جانب القوانين المدنية قوانين كنائسية ، وكذلك أُصول التقنين الغربي متأثّرة بالتقنين المسيحي ، فإذاً هؤلاء العلمانيون الغربيون لم يطلّقوا الدين طلاقاً مؤبّداً ، ولكنّهم حاولوا أن يمزجوا بين الموروث القديم وما ابتكروه من قوانين ، وممّا يدلّل على كلامنا هذا هو أنَّ الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب عندما شنّ حرب الخليج الثانية كان يستنجد بالكنيسة واسم الرب وما شابه ذلك ، وكذلك استخدم جورج بوش الابن تعبير « الحرب الصليبية » بعد الهجوم على نيويورك وواشنطن ، وهذا ما نشاهده عند اليابانيين أصحاب الديانة البوذيّة ، حيث إنّهم لم يطلّقوا ديانتهم طلاقاً مؤبّداً.
الدين واحد والشرائع متعدّدة
من الأخطاء الشائعة في الصحافة والإعلام وبين عامّة الناس هو تعبير « الأديان » ، فنسمع عن حوار الأديان ، والبحث عن أوجه الاختلاف أو التلاقي بين هذه الأديان ، وهذا ما يتعارض مع المفهوم القرآني والمفاهيم التي جاءت بها الأحاديث الشريفة ، حيث إنّ المفهوم القرآني يؤكّد على أنّ الدين واحد وليس متعدّد ، فتكون النتيجة أنّ تعبير « الأديان » تعبيرٌ خاطىء ; لأنّه يتعارض مع الطرح القرآني.