يكن في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر (١) ، وكان عتبة هو الراكب على الجمل الأحمر ، حيث كان يريد أن يثنيهم عن ذلك ، إلاّ أنّ أبا جهل قال له : « جبنت وانتفخ سحرك » ، فابتدأ القتال (٢) ، ولكن لم يكن الابتداء من طرف النبي صلىاللهعليهوآله ، بل هو من طرف قريش ، بدءاً بالعدوان المالي والعرضي والأمني ، وانتهاء بساحة المعركة ، إذن هذه هي معركة دفاعيّة ، وفي غزوة أُحد كان الكفّار قد أتوا للانتقام من المسلمين ، وفي غزوة الخندق كذلك ابتدأ الكفّار بالحرب ، وأمّا غزوة تبوك فهي عبارة عن الاستعداد الرادع لطغيان الروم الذين كانوا يهدّدون المسلمين ، وكذلك غزوة مؤتة التي استشهد فيها زيد بن حارثة ، وعبد الله بن رواحة ، وجعفر الطيّار ، والصحيح أنّ جعفر الطيّار هو أوّل من استشهد في هذه المعركة ، وليس زيد بن حارثة ، كما تذكر بعض المصادر (٣) ، وكذلك في غزوة حنين ، وما فعلته قبيلة هوازن من تهديد المسلمين ، وعندما دخل النبي صلىاللهعليهوآله إلى مكّة فاتحاً أخذ الراية أحد الصحابة قائلا : « اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة » فأمر النبي صلىاللهعليهوآله علياً أن يأخذ الراية ، ويقول : « اليوم يوم المرحمة اليوم تحفظ فيه الحرمة » (٤) حتى إنّ النبي عامل البيت الذي طالما ناصبه العداء والحقد ، وهو بيت أبي سفيان برفق ، حيث قال صلىاللهعليهوآله : « من دخل دارك يا أبا سفيان فهو آمن » ، وعندما قال لهم صلىاللهعليهوآله : « ما تظنّون وما أنتم قائلون؟ » قال سهيل : « أخٌ كريم وابن عمّ كريم » (٥).
__________________
١ ـ كنز العمال ١٠ : ١٨٠ ، الحديث ٢٩٩٢٧ ، كتاب الغزوات والوفود.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ٢٣٩ ، فصل في غزواته صلىاللهعليهوآله.
٣ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٢ ، « غزاة مؤته ». الكامل في التاريخ ٢ : ٢٣٦.
٤ ـ السيرة الحلبية ٣ : ١١٨ ، باب ذكره مغازية صلىاللهعليهوآله. المبسوط للسرخسي ١٠ : ٤٥ ، كتاب السير ، باب معاملة الجيش مع الكفار.
٥ ـ تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٨ ـ ٣٩ ، فتح مكة.