ولكنّه ارتكب بعض التأويل في كلمات الأصحاب الذين حدّدوهما بالحدّين المزبورين ، كالمحقّق الثاني ، فإنّه قال في شرح القواعد ـ على ما حكي عنه ـ : الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان ـ كما صرّح به المصنّف رحمهالله في النهاية (١) ـ عرفيّتان يمتنع تصادقهما في شيء من الأفراد ، ولا يحتاج في كشف مدلولهما إلى شيء زائد على الحوالة على العرف ، إلى أن قال ـ بعد تعريف المصنّف له بأنّ أقلّ الجهر إسماع القريب تحقيقا أو تقديرا ـ ما صورته : وينبغي أن يزاد فيه قيد آخر ، وهو تسميته جهرا عرفا ، وذلك بأن يتضمّن إظهار الصوت على الوجه المعهود. ثمّ قال بعد قوله :«وحدّ الإخفات» إلى آخره : بأن يتضمّن إخفاء الصوت وهمسه ، وإلّا لصدق هذا الحدّ على الجهر ، وليس المراد إسماع نفسه خاصّة ؛ لأنّ بعض الإخفات قد يسمعه القريب ، ولا يخرج بذلك عن كونه إخفاتا (٢). انتهى.
وعن الشهيد الثاني في الروض أنّه قال : واعلم أنّ الجهر والإخفات حقيقتان متضادّتان لا تجتمعان في مادّة ، كما نبّه عليه في النهاية ، فأقلّ السرّ أن يسمع نفسه لا غير تحقيقا أو تقديرا ، وأكثره أن لا يبلغ أقلّ الجهر ، وأقلّ الجهر أن يسمع من قرب منه إذا كان صحيح السمع مع اشتمال القراءة على الصوت الموجب لتسميته جهرا عرفا ، وأكثره أن لا يبلغ العلوّ المفرط ، وربما فهم بعضهم أنّ بين أكثر السرّ وأقلّ الجهر تصادقا ، وهو فاسد ؛ لأدائه إلى عدم تعيّن أحدهما لصلاة ؛ لإمكان استعمال الفرد المشترك حينئذ في
__________________
(١) نهاية الإحكام ١ : ٤٧١.
(٢) جامع المقاصد ٢ : ٢٦٠ ، وحكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ٨ : ١٣٨ ١٣٩.