المتأخّرين على خلافه ، بل لأنّا نرى أنّ المدّعين للإجماع فضلا عن غيرهم متشبّثون في إثبات مقالتهم بتسمية ما يسمعه الغير جهرا ، وهو عندنا محلّ نظر بل منع ، بل لو سلّمنا ظهور لفظ الجهر والإخفات عرفا فيما ذكروه ، لجعلنا السيرة العمليّة كاشفة عمّا أراده الشارع منهما في هذا الباب ، فإنّها هي عمدة المستند لانقسام الفرائض الخمس إلى جهريّة وإخفاتيّة ، وقد استقرّت السيرة ـ حتى ممّن حدّد الجهر والإخفات بما ذكر ـ على إظهار جوهر الصوت في الصبح وأوّلتي العشاءين وإخفائه (١) في البواقي بحيث لو خالف أحد في ذلك بأن صلّى المغرب ـ مثلا ـ بلا صوت جرسيّ أو الظهر معه ، لعدّ عند المتشرّعة من المنكرات من غير التفات إلى سماع الغير وعدمه ، بل كيف يعقل أن يكلّف الشارع أحدا بأن يتكلّم إخفاتا بالمعنى الذي ذكروه بأن يكون على وجه يظهر صوته بحيث تسمعه أذناه ولا يسمعه من بعد عنه بمقدار ذراع أو ذراعين!؟ فهل هذا إلّا بمنزلة ما لو كلّفه بأن يرفع صوته إلى أن يبلغ مسافة أربع أصابع لا أقلّ ولا أكثر؟ فإنّه تكليف بغير مقدور ، بل لا يقدر أحد بمقتضى العادة أن يتكلّم مع شخص يكون بعده عنه بمقدار الفصل بين فمه وأذنه على وجه يسمع ذلك الشخص جميع ما يقول ولا يسمعه من كان أبعد منه بمقدار ذراع أو ذراعين أو ثلاث ، وإن كنت في شكّ من ذلك فعليك بالاختبار.
وكيف كان فلا ينبغي الارتياب في أنّ مجرّد سماع الغير وإن كان بعيدا بمقدار معتدّ به ليس منافيا لصدق الإخفات.
نعم ، قد يكون تأدية الكلام بشدّة على وجه يكون المتكلّم
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إخفائهما». والمثبت هو الصحيح.