كالمبحوح من غير أن يظهر جوهر صوته ، وهذا ممّا يشكل صدق اسم الإخفاء عليه عرفا ، كما أنّ صدق اسم الجهر عليه أيضا كذلك ، فلا يجوز اختياره امتثالا لشيء من التكليفين ؛ إذ لا يحصل معه الجزم بالخروج عن عهدة شيء منهما إلّا مع العجز عن إظهار جوهر الصوت ، كما في المبحوح ؛ فإنّه حينئذ في حقّه جهر بشهادة العرف ولو من باب قاعدة الميسور ، والله العالم.
وأمّا أدنى الإخفات : فلا خلاف فيه على الظاهر في أنّه هو أن يسمع نفسه إذا كان سميعا ولم يكن هناك مانع ولو مثل كثافة الهواء وهبوب الرياح ؛ إذ لا يكاد يتحقّق التلفظ وقطع الحروف على مخارجها بأدنى من ذلك ، ولا أقلّ من عدم حصول الجزم به عادة ، ولذا استدلّ عليه في محكيّ المنتهى : بأنّ ما دونه لا يسمّى كلاما ولا قرآنا (١).
ولو فرض تحقّقه والجزم بحصوله فيشكل الاكتفاء به ؛ لما يظهر من جملة من الأخبار ـ ككلمات الأصحاب ـ من عدم الاعتداد بقراءة لا تسمعها أذناك ، كبعض الروايات الواردة في تفسير الآية الشريفة.
كموثّقة سماعة ـ المرويّة عن الكافي والتهذيب مضمرة ـ قال : سألته عن قول الله عزوجل : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) (٢) قال :«المخافتة ما دون سمعك ، والجهر أن ترفع صوتك شديدا» (٣).
__________________
(١) راجع الهامش (٥) من ص ٢٦٢.
(٢) الإسراء ١٧ : ١١٠.
(٣) الكافي ٣ : ٣١٥ ـ ٣١٦ / ٢١ ، التهذيب ٢ : ٢٩٠ / ١١٦٤ ، الوسائل ، الباب ٣٣ من أبواب القراءة في الصلاة ، ح ٢.