منافاة بين الأخبار الدالّة على كفاية الوضع ، وبين الأخبار الآمرة بالإيماء مطلقا ، وإنّما ينحصر التنافي بينها وبين الأخبار المقيّدة له بالرأس ، فيجمع بينهما بالحمل على التخيير ، ويقيّد المطلقات بهما كذلك.
ولكن قد أشرنا آنفا إلى أنّ أخبار الوضع لا تصلح قرينة لصرف الأخبار الظاهرة في وجوب الإيماء بالرأس أو العينين عن ظاهرها من الوجوب العيني ، فالأقرب حمله على الاستحباب ، ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع لدى الإمكان ، والإتيان به لدى تعذّر الإيماء والتغميض ، بل لا يبعد الالتزام بوجوبه حينئذ ، كما حكي (١) قولا في المسألة ، بل ربما استظهر ذلك من رواية عليّ بن جعفر ، المتقدّمة (٢) ، كما تقدّمت الإشارة إليه ، والله العالم.
واستدلّ للتخيير أيضا مع أفضليّة الوضع : بخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام والسجود ، قال : «يومئ برأسه إيماء ، وإن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» (٣).
وصحيحة زرارة ـ المرويّة عن التهذيب ـ عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال :سألته عن المريض ، فقال : «يسجد على الأرض أو على المروحة أو على سواك يرفعه إليه وهو أفضل من الإيماء ، إنّما كره السجود على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله ، وإنّا لم نعبد غير الله قطّ ،
__________________
(١) الحاكي هو العاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٣٣٣ ، وراجع : الذكرى ٣ : ٢٧٢ ، وجامع المقاصد ٢ : ٣٠٤ ، وروض الجنان ٢ : ٦٧١ ، ومسالك الافهام ١ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.
(٢) في ص ٧٣ ـ ٧٤.
(٣) تقدّم تخريجه في ص ٦١ ، الهامش (٥).