وإلّا .. فهي مسلوكة من قديم الزّمان إلى الآن ، وقد سلكها العلاء ابن الحضرميّ في قتال المرتدّين ، وندّت (١) إبلهم وهم نزول ، وأصابهم من الكرب والعطش أمر عظيم ، ثمّ ظهر لهم ماء فمشوا إليه ، وعادت إبلهم وعليها أزوادهم ، فامتطى كلّ بعيره ، وكتب إلى أبي بكر ـ كما عند الطبري [في «تاريخه» ٣ / ٣١٣] ـ يقول له : (أما بعد : فإنّ الله تبارك وتعالى فجّر لنا الدّهناء فيضا لا ترى غواربه (٢) ، وأرانا آية وعبرة بعد همّ وكرب ؛ لنحمد الله ونمجّده).
فلا يتعذّر سلوك السّيّارات بها من حضرموت إلى العبر ، ولا من العبر إلى نجران ، وقد سلكها المستشرق فلبي.
ولمّا اجتمعت بملك الحجاز ونجد في سنة (١٣٥٤ ه) .. قال لي : إنّ الحكومة الإنكليزيّة أرسلت إليّ وفدا في رمضان من هذا العام يقول لي : لا بدّ من إصلاح حضرموت ، وتمّ الكلام على إرسال وفد من عندي ومن عند الأخ يحيى ومن عندهم للاستفتاء ؛ فإن اختاروا الأخ يحيى .. فبها ، وإن اختاروني .. فعلي أن أذبّ عنهم بما أذبّ به عن أهلي وولدي ، وإن اختاروا الإنكليز .. فشأنهم وأنفسهم.
هذا معنى ما قاله لي يومئذ ؛ إن لم يكن بلفظه.
وكم كان سرور النّاس بذلك لمّا خابرتهم به مرجعي من الحجّ ، ثمّ لم يكن إلّا أن جاء فلبي وكان يتقمّص الإسلام ، ولا ينبغي إلّا أن نحمل باطنه على ظاهره ، فكان الكلّ في الكلّ.
وسبق في المقدّمة ما يقرب من كلام الحبيب أحمد بن حسن العطّاس عن الطّيّب بامخرمة عن القاضي مسعود.
وقال الهمدانيّ : وفي شعر الأخنس بن شهاب التّغلبيّ الّذي يذكر فيه منازل العرب [من الطويل] :
__________________
(١) ندّت : تفلّتت وشردت.
(٢) غوارب الماء : أعالي موجه.