بلاد دوعن ، ووجدنا أكثر أهلها يقرؤون القرآن لروح والدي (١) ؛ لأنّ ذلك كان حدثان وفاته من رمضان منها (٢) ، ولمّا انتهينا إلى قرحة آل باحميش أوان المغرب .. أدركنا صلاتها في مسجدها خلف إمام حسن الأداء ، شجيّ الصّوت ، محافظ على السّنن والهيئات ، وبعد أن فرغ من الأدعية والرّاتبة .. جلس للتّدريس في «شرح المقدّمة الحضرميّة» ، وكان يكتب عليه حاشية ، فسمعنا أحسن تدريس ، وأتقن تحقيق ، وأبلغ إلقاء ، وأوضح تفهيم ، ثمّ صلّى بنا العشاء بسورتين من أوساط المفصّل بصوت عذب أخذ بقلوبنا ، وبقي طنينه بأسماعنا ، وخيّل لنا أنّنا لم نسمع تلك السّور ولم تنزل إلّا تلك السّاعة ، وما كاد يخرج من المسجد وبندقيّته على كتده (٣) إلّا وأشعل النّار في فتيلتها ، فقلنا له : ما شأنك؟ قال : بيننا وبين قوم قتل ولم نأخذ صلحا ، فتمثّلت لنا رسوم الصّحابة والسّلف الطّيّب ، حيث اجتمعت العبادة والشّجاعة والعلم في ذلك الهيكل الشّريف ، وهو شخص الشّيخ عليّ بن أحمد باصبرين).
جمع الشّجاعة والعلوم فأصبحا |
|
كالحسن شيب لمغرم بدلال (٤) |
هذا ما يحدّثني بمعناه والدي ذات المرّات ، فيبني في نفسي العلاليّ والقصور من الشّغف بالمجد والطّموح إلى الشّرف.
وقال السّيّد عمر بن حسن الحدّاد : (قرأت على الشّيخ عليّ باصبرين ، وهو إمام في كلّ العلوم ، حادّ الطّبع مثل الشّيخ عليّ بن قاضي باكثير) اه
وفي «مجموع» كلام العلّامة السّيّد أحمد بن حسن العطّاس : (أنّ بعض العلماء المصريّين قال له : نعرف من الحضارم حدّة الطّبع ، وأنت بعيد عنها ، قال له : من عرفت من الحضارم؟ قال له : عرفت الشّيخ عليّا باصبرين ، وجلست معه في
__________________
(١) يعني به الحبيب محسن بن علوي السقاف جد المؤلّف.
(٢) الحدثان : أوّل الشّيء ، وحدثان وفاته : على أثر وفاته.
(٣) الكتد : مجتمع الكتفين ، وهو الكاهل.
(٤) البيت من الكامل ، وهو لأبي تمّام في «ديوانه» (٢ / ٦٤) ، باختلاف بسيط. شيب : خلط.
المغرم : المولع بالشّيء الّذي لا يقدر على مفارقته.