الاعتذار لون من التّلبيس ، فعند ذلك يشتعل الوطيس ، ويبلغ ما يريده الشّيخ إبليس.
ومن سيّئاتها : أنّها لم تغرس لنفسها هيبة في صدور أولادها تعينها على ما يجب على الأمّ من التّأديب والتّثقيف والتّعليم والتّهذيب .. بل تلقي لهم الحبال على الغوارب ، فلا تعاتب أحدا على تقصير ، ولا تزجره عن إساءة أدب ، ولا تكلّف أحدا بعمل ينفعه عند الحاجة ، فهي تسيء إليهم من حيث تريد الإحسان.
غير أنّه يكفّ من ثورتي عليها لذلك قول الإمام مالك : (الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمّهات) ، وقول الشّعرانيّ : (لقد كنت في عناء من تأديب ولدي عبد الرّحمن ، حتّى وكلت أمره إلى الله .. فصلح) أو ما يقرب من هذا.
ومن جرّاء ذلك : استهان الخدم بأوامرها ؛ ولطالما أشرت عليها أن تعزم عليهم بقشر الباذنجان الأحمر ـ لأنّي أكره قشره وبذره ـ .. فلم يفعلوا يوما ما ، وإنّه ليأتيني في كلّ وجبة بقشره وبذره على ما لا أحبّ ، فإما أن تكون مستخفّة بعتبي ـ على شدّته في بعض الأحيان ـ وإمّا أن يكون الطّهاة غير مبالين بأمرها وإرشادها ، ومهما يكن من الأمر .. فإنّ إفراطها في المياسرة مع رعيّتها .. قد أتعبنا وإيّاها ، وأدى إلى خسائر جسيمة وإلى خلل لا يحتمل ، ولا سيّما في تدبير أمر البيت ؛ لأنّني أجعل تبعة تقصيرهم عليها ؛ بحكم قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيّتها» (١).
ومتى عاتبتها وأجابت بما لم ترعو عنه من الأجوبة الباردة .. أصعبت لها القول ، وناشبتها الشّرّ ، فزاد النّكد ، واشتدّ التّعب ، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.
ومن النّوادر : أنّني لمّا ذاكرتها مرة بمسألة الشّاة .. تنصّلت من الذّنب ، وأحالته على شؤم ناصية الضّيف ، وقالت : إنّه قد جاءك مرّة ، وأرسلت في شراء لحم له فأنسي الرّسول ، ثمّ استأنفت رسولا فجاء به متأخّرا ، واقتضى الوقت إدخاله عليه في مثل حال لحم الشّاة.
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨٩٣).