لأن عدم اعتبار التقرب في كثير من الأعمال في الجملة من الواضحات التي لا تخفى بحال ، خصوصا مع شمول إطلاق القضية للمستحبات ، بل لموضوعات جميع الأحكام حتى الوضعية. ومن ثم كانت القضية آبية عن التخصيص عرفا ، مع وضوح أن الآبي عن التخصيص هو المعنى الأول الارتكازي.
ويؤيده ما في حديث إسماعيل بن محمد عن الرضا عليهالسلام وعلي بن جعفر عن الإمام الكاظم عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام عن النبي صلىاللهعليهوآله في حديث قال : «إنما الاعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى ، فمن غزا ابتغاء ما عند الله فقد وقع أجره على الله عزوجل ، ومن غزا يريد عرض الدنيا أو نوى عقالا لم يكن له إلا ما نوى» (١).
الثالث : ما تضمن الأمر بالطاعة من الآيات والروايات الكثيرة ، بدعوى : أن الإطاعة لا تكون إلا بقصد الامتثال.
وفيه : أن الظاهر من الإطاعة في المقام محض الموافقة في مقابل المخالفة ، فتكون الأوامر المذكورة للإرشاد ، كما يناسبه مقابلته بالمخالفة في مثل قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)(٢) وعطف إطاعة الرسول عليه ـ وحده أو مع أولي الأمر ـ في كثير من الآيات ، مع وضوح عدم اعتبار قصد امتثال أمر غيره تعالى.
مضافا إلى ظهور شمولها للنواهي مع عدم الإشكال في عدم اعتبار قصد التقرب فيها ، كعدم اعتباره في كثير من الأوامر. والتزام خروجها تخصيصا ـ مع استلزامه تخصيص الأكثر ـ ليس بأولى من الحمل على المعنى الذي ذكرناه. بل هو الأولى بعد كونه ارتكازيا ينصرف الذهن إليه ، نظير ما ذكرناه في الدليل
__________________
(١) الوسائل ج : ١ باب : ٥ من أبواب مقدمة العبادات حديث : ١٠.
(٢) سورة التغابن الآية : ١٢.