وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (١) ، والروايات تشير إلى أنّ النبي هو الرسول الظاهر ، والعقل هو الرسول الباطن (٢) ، وهذا المعنى وإن كان صحيحاً في نفسه ، إلاّ أنّ ظاهر اللفظ لا يساعد عليه ، وينبغي تهيئة الجو الاجتماعي لتقبّل القانون ، وأن لا يتمّ إقحام القانون في أجواء لا تتفاعل معه ، وأنّ أيّ قانون جديد إذا أردنا أن نطبّقه في مجتمع مّا ، لابدّ أن يسبقه وعيّ قانوني ، وثقافة قانونية ناضجة ، لأنّه لا يكفي أن يكون القانون متكاملا ، بل يجب مراعاة استيعاب الناس لهذا القانون ، ولهذا السبب نزول القرآن بشكل مفصّل وتدريجي ، حتى تتهيأ النفوس للتفاعل معه ، ولأنّ الناس لا تستوعب التربية القرآنية على شكل دفعة واحدة بدون تهيئة.
قال السيد الطباطبائي ، في ذيل تفسير هذه الآية الكريمة : ( خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ ) (٣) قال : » الأخذ بالشيء هو لزومه أو عدم تركه فأخذ العفو ملازمة الستر على إساءة من أساء إليه ، والإغماض عن حق الانتقام الذي يعطيه العقل الاجتماعي لبعضهم على بعض. هذا بالنسبة إلى إساءة الغير بالنسبة إلى نفسه والتضييع لحق شخصه ، وأمّا ما أُضيع فيه حق الغير بالإساءة اليه فليس مما يسوغ العفو فيه ، لأنّه إغراء بالإثم ، وتضييع لحق الغير بنحو أشد ، وإبطال للنواميس الحافظة للاجتماع ، ويمنع عنه جميع الآيات الناهية عن الظلم والإفساد وإعانة الظالمين والركون إليهم ، بل جميع الآيات المعطية لأُصول الشرائع والقوانين ، وهو ظاهر.
فالمراد بقوله : ( خُذْ الْعَفْوَ ) ، هو الستر بالعفو فيما يرجع إلى شخصه صلىاللهعليهوآله وعلى ذلك كان يسير فقد تقدم في بعض الروايات المتقدمة في أدبه صلىاللهعليهوآله : أنّه لم ينتقم من
__________________
١ ـ الروم (٣٠) : ٣٠.
٢ ـ الكافي ١ : ١٦ ، الحديث ١٢ ، كتاب العقل والجهل.
٣ ـ الأعراف (٧) : ١٩٩.