أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق ، فإنّ صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته ، خير من غدر تخاف تبعته » (١) ، ومن المعلوم أنّ الحروب تنشأ من نكث العهود ، فإذا فقدت الثقة بين الدول ظهر التزلزل الأمني والمباغتة العسكرية ، وهذا أيضاً بين الدول وشعوبها ، وبين أبناء الشعب الواحد ، والأمن أهم شيء بالنسبة للإنسان في النظام الاجتماعي والنظام الدولي ، ولا يستتب الأمن إلاّ عندما تثبت الثقة بين الأطراف ، والثقة تحدث بالوفاء بالعهد ، فعندما يوقّع شخص شيئاً ثمّ بعد أسابيع ينكث هذا العهد الذي أعطاه فماذا تكون النتيجة؟
وانظر إلى هذه الأصول التي ذكرها أمير المؤمنين عليهالسلام وما نادى به سيد الشهداء عليهالسلام ، لا سيّما في المحور الأوّل ، في أهداف النظام الاجتماعي ومراعاة مصلحة العامّة على حساب مصلحة الخاصّة ، وما الذي أجهض النصر المادي للحسين عليهالسلام؟ وإن كان الفتح قد تحقق للحسين عليهالسلام ; لأنّه فتح الأعراف وفتح السنن الاجتماعية وفتح العقول ، فلم يسمح لبني أمية أن يربّوا الناس على النهج الإقطاعي ، وفجّر نور الأمل في الطبقات المحرومة ، واستطاع عن طريق الإباء والصبر والمثابرة أن يحقق العدل في النظام الاجتماعي فقال : « ربّي إن تكن حبست عنّا النصر ... » (٢) فالإمام الحسين عليهالسلام حقق الفتح حتّى ولولم يحقق النصر ، وهناك فرق بين الفتح والنصر في المصطلح القرآني : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ) (٣) ، فالفتح شيءٌ غير النصر ، وكذلك في سورة الفتح : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً ) (٤) ، مع أنّ
__________________
١ ـ نهج البلاغة ، رسائل امير المؤمنين ، رقم ٥٣.
٢ ـ الكامل في التاريخ ٤ : ٧٥.
٣ ـ النصر (١١٠) : ١.
٤ ـ الفتح (٤٨) : ١.