أي من هذه الأدلة والبراهين ، فحينئذ يعتمد القاضي على الشهود والحلف ، وهذا لا يقتصر على القضاء الإسلامي ، بل هو العرف القانوني عند غير المسلمين ، فإذا انسدّت الأبواب في التحقيقات القانونية والقضائية تصل النوبة حينئذ للحف ، فكلّ بلد يحلف بالرمز المقدّس الذي يعتقد به سواءً كان هذا الرمز دينياً عند من يؤمنون بالدين أو رمزاً وطنياً مقدّساً عند من يؤمنون به ، ولو راجعنا قضاء أمير المؤمنين علي عليهالسلام لوجدناه يبحث ويحقّق عن أسباب النزاع والأدلة والبراهين القضائية التي توصله إلى الحقيقة ، بل إنّ أكثر قضاء أمير المؤمنين عليهالسلام كان بهذه الطريقة ، وليس بالاعتماد على الحلف والشهود ، والذين أثاروا هذا الإشكال لم يطّلعوا على القضاء الإسلامي بصورة عميقة.
الإشكال الثاني : لماذا تطالب القبيلة والعصبة بدفع الدية؟
الدين الإسلامي يدعو للمحافظة على الأُسرة وعلى وشائج القربى ، بل هو يحافظ على لحمة السبب بالإضافة إلى لحمة النسب ، فنحن نلاحظ أنّ بعض الأشخاص عندما يخرج من بلده إلى بيئة أُخرى بعيدة عن الرقابة الاجتماعية ينحرف سلوكه ، بينما كان محافظاً على سلوكه عندما كان يعيش في البيئة المحافظة ، ولذلك من المفيد الحفاظ على الأعراف التي لا تتعارض مع الدين ، ولذلك لم يقطع النبي أوصال شبكة القبائل الموجودة في ذلك الزمان مع أنّ الإسلام قد عانى من هذه القبائل ، ووجّهت له ضربات قاسية ، كما حدث ذلك في معركة الأحزاب حينما تحزّبت القبائل لمواجهة النبي صلىاللهعليهوآله ودين الإسلام ، مع ذلك حافظ النبي على بناء القبيلة لما فيه من إيجابيات ، منها : أنّها نوع من النظام الاجتماعي الذي يحفظ الإنسان ـ من خلال الانتماء إليه ـ عن حالة الانفلات والخروج عن الرقابة الاجتماعية.