وجعل الحمد مستنداً إلى الذات لما هي هي ، أو للنعم السابقة من التربية والتغذية ، أو لطلب الرحمة ؛ جلباً للمنافع ، ودفعاً للمفاسد الدنياوية أو الأُخرويّة.
ثمّ لمّا كان سبب لزوم الحمد قاضياً بلزوم العبادة ، وهي تنقسم إلى تلك الأقسام ، رتّب عليها العبادة ، وخصّه بها ؛ لما مرّ من أنّه لا إله سواه ، وخاطبه لقضاء تلك الصفات بشبه العيان.
ثمّ طلب الاستعانة على العبادة ؛ إظهاراً لعجزه.
وبعد أن أثبت جامعيّة صفات الكمالات بأنّه الله ، وأثبت صفة الرحمة رجا إجابة الدعاء ، فدعا بخير الدنيا والآخرة ، ودفع بلائهما) (١).
وخصّ صفتي الرحمة أيضاً ؛ ليكمل الرجاء في تحصيل الجزاء ، وتثبت صفة الفضل ، فضلاً عن العدل.
وبعد ذكر العظمة واستجماع صفات الكمال والرحمة والشفقة ، استحق الحمد المؤدّي معنى المدح والشكر ، (وأتى بالحمد ، و) (٢) أثبت جميع أفراده له ، مؤذناً بأنّ جميع المحامد راجعة إليه ، وأنّه مختار في جميع أفعاله.
واستند في ذلك إلى أنّه ربّ العالمين ، فيكون برهاناً. ثمّ كرّر الرحمة عامة لجميع العالم في جميع ما يحدث منهم بعد أن ذُكرت أوّلاً ؛ لطلب رحمته إيّاه ، أو لأجل إعانته.
ثمّ ذكر ملك جزاء الآخرة ؛ لتشتدّ همّته ، وتقوى عزيمته.
وبعد إثبات الأكبريّة ، والإقرار بالتوحيد ، وتقديم الاستعانة به ، وأنّ أُمور العالمين راجعة إليه ، وكان الخطاب بمنزلة خطاب المشافهة ، خصّه بالعبادة ، والاستعانة ، وتوجّه إليه بالدعاء.
وفي إعرابها وترتيلها ونحوهما مُحافظة على ما يليق بها.
وأمّا قراءة السورة ؛ فلتأكيد المعجزة ، ولزيادة المثوبة في فعل هذه الطاعة العظيمة.
__________________
(١) ما بين القوسين ليس في «م» ، «س».
(٢) بدل ما بين القوسين في «م» ، «س» : وخصّ طبيعة الحمد أو.