كما أنّني أكلّف قلمي تكليفا دقيقا أن لا تكون كتابته عمّن تنفر عنه نفسي تحت تأثير أيّ شيء من تلك العاطفة ، بل إنّني لا آمن أن يذهب بي التّحرّي فيه إلى المغالاة ؛ تفاديا من ميل الطّبع إلى التّقصير ، وإنّني لكثيرا ما أفترض الحبيب بغيضا وعكسه ؛ لأكون أدنى إلى النّزاهة ، وأنأى عن الهوادة (١).
ولم يعزب عن ذهني ما ذكرته أوائل «الأصل» عن ابن السّبكيّ من إنكار ما عليه بعض المؤرّخين يعرّض بالإمام الذّهبيّ من تقصير الخطا ، وقرمطة الكلام في ترجمة من لا يوافقه هواه متوهّما أن لا ضير عليه ـ متى اجتنب المذامّ ـ أن لا يستوفي المحاسن ؛ لأنّه لا يلزمه استيفاؤها ، وإن تفضّل به في حقّ من يحبّه ويواليه ، أو ما يقرب من هذا السّياق.
ولكنّني أجمد عن نزر خواصّ لبعض المتأخّرين إذا لم ننهض للتّغطية على سيّئاتهم ، وعذري في ذلك : أنّني إن ذكرتهم بالعجر والبجر .. أسوّد التّاريخ ، وإ حلّيتهم بالمحاسن .. كان غشّا وظلما لمن يفضلهم بالنّزاهة مع خلوّه من تلك الفضائل الّتي تشين متى وزنت بتلك المساوىء السّوداء ، فبعد أن اعتلجتني الخواطر ، وأتعبني التّردّد .. رأيت الجمود أحزم ، والإغضاء ألزم ، والاقتصار على التّعريف أسلم ، وقد قالت إحدى أخوات أمّ زرع : (زوجي لا أبثّ خبره) ... إلخ.
أقول قولي هذا ، وأستغفر الله العظيم لي ولوالديّ ولمشايخي ولمشايخهم وهلمّ جرا ، ولزوجي وأولادها ، وللمسلمين ، والحمد لله ربّ العالمين ، سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
وكان الفراغ منه في منتصف جمادى الآخرة من سنة (١٣٦٧ ه).
__________________
(١) الهوادة : اللين.