رجل وزوجته يسنون ، وأقعد عندهم ، وربّما يكون في هذا ما ينافي العدالة. اه
ومعاذ الله أن يكون خروجه إلّا لبعض شغله في شيء من آباره ، ثمّ يعرض له القعود المشار إليه.
وأنا قد أطنبت في الثّناء على رجال هاتين الطّبقتين (١) ، لكنّ المحامل كثيرة ، وفوائد حسن الظّنّ أثيرة بثيرة ، وإنّي لأحاول جهدي عند الكتابة عن أيّ إنسان ـ ما لم أنس التّحفّظ أحيانا ـ أن أتخلّى عن عواطف إعظامي وحبّي له ؛ لأكون أبعد عن المغالاة في فضائله ، كما فعلت في والدي ، وسيّدي الأستاذ الأبرّ ، وشيخه الإمام البحر ، فكلّ عارف يعلم أنّي مقصّر فيما كتبت عنهم.
ولو أبصروا ليلى أقرّوا بحسنها |
|
وقالوا بأنّي في الثّناء مقصّر |
وقد بلغني : أنّ بعضهم اشتكى إلى الشّيخ عبد الله بن أحمد باسودان قراءته في شيء من كتب الأخلاق على الحبيب أحمد بن عمر بن سميط من غير تقرير منه البتّة ، فقال له : يكفيك قراءته ؛ أي معرفة ما هو عليه من الأعمال الحسنة والأخلاق الفاضلة ، تصداق ما أخرجه أبو نعيم في «حليته» [٣ / ٣٦٢] بسنده إلى الزّهريّ قال : (كنّا نأتي العالم ، فما نتعلّم من أدبه .. أحبّ إلينا من علمه).
وما أخرجه أيضا فيها [٣ / ٧] : بسنده إلى عبد الله بن بشر قال : (إنّ الرّجل ربّما جلس إلى أيّوب السّختيانيّ فيكون لما يرى منه أشدّ اتّباعا منه لو سمع حديثه).
ولله درّ أبي الطّيّب في قوله [في «العكبريّ» ٢ / ١٥٥ من الطّويل] :
وأستعظم الأخبار قبل لقائه |
|
فلمّا التقينا صغّر الخبر الخبر |
وقول عصريّه ابن هانىء الأندلسيّ [من البسيط] :
كانت مساءلة الرّكبان تخبرني |
|
عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر |
حتّى التقينا فلا والله ما سمعت |
|
أذني بأحسن ممّا قد رأى بصري |
__________________
(١) لعله يقصد طبقة الحبيب عبد الله بن حسين (القرن الثالث عشر) ، وطبقة العيدروس والشاطريّ المذكورين ؛ أي : أوائل القرن الرابع عشر لأنه عاصر وقتهما.