وأمّا حسين : فلم يزل مصرّا على رأيه في الانتقام من الحكومة السّعوديّة ، وكانت خاتمة أمره أن نزل بالحالمين (١) من بلاد يافع ، فمنعه (٢) أهلها آل مفلح (٣) ، فلم يقدر عليه أحد ، ثمّ نشبت بينهم وبين جيرانهم من يافع أيضا فتنة ، ولمّا علموا أنّه السّبب فيها .. اعتزموا قتله ، فغدر بهم فهرب ـ كما فعل الكميت (٤) ـ في زيّ امرأة ، وذهب إلى الحمراء (٥) في آخر حدود يافع ، فأذكى شرّا بينهم وبين آل القويمي من الزّيديّة (٦) ، وكثرت بينهم القتلى.
ولمّا أحسّ بالفشل (٧) .. هرب إلى |
|
... |
__________________
(١) الحالمين : في بلاد ردفان ، وهي من أعمال محافظة لحج ، وهي منطقة أثرية ، عثر بها سنة (١٩٩٩ م) على قطع أثرية تعود إلى عهود سبأ وحمير.
(٢) أي : حموه من أعدائه وكانوا ظهرا له.
(٣) النسبة إليهم : مفلحي ، وهي قبيلة كبيرة في يافع العليا ، ويطلق اسمها على مركز إداري تابع لمديرية يافع.
(٤) كان خالد بن عبد الله القسري قد حبس الكميت بعد أن قال فيه :
وإنّي وتمداحي يزيدا وخالدا |
|
ضلالا لكالحادي وليس له إبل |
فكانت امرأته تدخل عليه .. حتّى عرف أهل السّجن وبوّابوه ثيابها وهيئتها ، ولمّا علم بأنّه سيقتل بالسّجن .. أرسل إليها يأمرها بأن تجيئه ومعها ثياب من لباسها ، وخفّان ، فقال : ألبسيني لبسة النّساء ، ففعلت ، ثمّ قالت له : أقبل .. فأقبل ، وأدبر .. فأدبر ، فقالت : ما أرى إلا يبسا في منكبيك ، اذهب في حفظ الله.
فخرج ، فظنّ السّجّان أنّه المرأة ، فلم يتعرّض له ، فنجا وأنشأ يقول :
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل |
|
على الرّغم من تلك النّوابح والمشلي |
عليّ ثياب الغانيات وتحتها |
|
عزيمة أمر أشبهت سلّة النّصل |
وللقصّة ذيول وأسباب غير ما ذكر فراجعها ـ إن شئت ـ في «طبقات فحول الشّعراء» (٢ / ٣١٩) ، و «الأغاني» (١٧ / ٢٠). والله الموفّق.
(٥) وهي قريبة من لحج ، وإليها ينسب العلّامة السّيّد الشّريف عمر صاحب الحمراء ابن عبد الرّحمن المتوفى سنة (٨٨٩ ه).
(٦) هم من يافع ، وليسوا من الزّيديّة ، كما يقول العلّامة النّاخبيّ اليافعيّ .. وهو أدرى بهم.
(٧) في سرد هذه الأحداث الّتي أوردها المصنّف بعض خلط كما يقول الشيخ النّاخبيّ ؛ إذ إنّ حقيقة الأمر : أنّ حسينا الدّبّاغ ذهب إلى يافع ليعدّ عدّته ، ويجلب منها رجالا يكونون سندا له في تنفيذ خططه الهجوميّة ، الّتي سبق ذكرها في كلام المصنّف ـ قبل أن يجليهم السّلطان عمر من المكلّا إلى عدن ـ وما الفتنة الّتي ذكرها المصنّف هنا إلّا فتنة نشبت بين يافع والإمام يحيى ؛ إذ إنّ حسينا الدّبّاغ لم يزل